القول باشتراك غيره معه.
مثال ذلك ، قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَٰلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ...» سورة المجادلة (٥٨) الآية (١٢).
فإنّ المكلف في الآية عامّ ، وهم كلّ المؤمنين ، والحكم فيها شرعي وهو وجوب التصدّق عند مناجاة النبيّ صلّ الله عليه وآله وسلّم ، لكنّ هذا لايمنع من اختصاص الآية بشخص واحد ، فعند المراجعة الى أسباب النزول نجد أنّ الإمام عليّاً عليه السلام كان هو العامل الوحيد بهذه الآية ، حيث كان الوحيد الذي تصدّق وناجى الرسول صلّ الله عليه وآله ، و نسخت الآية قبل أن يعمل بها غيره من المسلمين.
فهل يصحّ القول بأنّ الآية عامّة ، وما معنى الإشتراك في الحكم لو كانت الآية منسوخة ؟ وهل في الإلتزام باختصاص الآية مخالفة للكتاب والسنّة ؟
و إذا سأل سائل عن الحكمة في تعميم الموضوع في الآية ، مع أنّ الفرد العامل منحصر ؟
فمن الجائز أن تكون الحكمة في ذلك بيان أنّ بلوغ الإمام عليه السلام الى هذه المقامات الشريفة كان بمحض اختياره و إرادته ، من دون أن يكون هناك جبرٌ يستدعيه أو أمر خاصّ به ، و إنّما كان الأمر والحكم عامّاً ، لكنّه أقدم على الإطاعة رغبة فيها و حبّاً للرسول ومناجاته ، و أحجم غيره عنها ، مع أنّ المجال كان مفسوحاً للجميع قبل أن تنسخ الآية ، فبالرغم من ذلك لم يعمل بها غيره.
ولا يمكن أن يفسّر إقدامه و تقاعسهم إلّا على أساس فضيلته عليهم في العلم والعمل ، و تأخرهم عنه في الرتبة والكمال.
و بمثل هذه الحكمة يمكننا أن نوجّه افتخار الإمام عليه السلام بكونه العامل الوحيد بهذه الآية.
فقد روى الحبري في تفسيره (٢٢) بسنده ، قال : قال عليّ : آية من القرآن لم يعمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي ، اُنزلت آية النجوى [الآية (١٢) من سورة المجادلة (٥٨)] فكان عندي دينار فبعتُه بعشرة دراهم ، فكنتُ إذا أردتُ أن اُناجي النبيّ صلّى الله عليه تصدّقتُ بدرهم حتى فنيتْ ثم نسختْها الآية التي بعدها : «فَإِن لَّمْ
_____________________________
٢٢ ـ تفسير الحبري ـ بتحقيقنا ـ الحديث (٦٦) (ص ٤٧) من الطبعة الاُولى.