ويروى أنه لما قتل سقطت من دمه قطرات على المصحف فصادفت قول الله تعالى : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) [البقرة : ١٣٧] ، ويقال : إن الذي تولى قتله من الذين دخلوا عليه رجل من أهل مصر يقال له جبلة بن الأيهم ، وكذلك كان جمهور الداخلين عليه من أهل مصر. فيروى عن يزيد بن أبى حبيب ، وهو من جملة المصريين أنه قال : بلغنى أن عامة النفر الذين ساروا إلى عثمان بن عفان جنوا.
وعن أبى قلابة قال : كنت فى فندق بالشام ، فسمعت مناديا ينادى : يا ويلة ، النار النار ، فقمت فإذا أنا برجل مقطوع اليدين من المنكبين ، مقطوع الرجلين من الحقوين ، أعمى ، منكب لوجهه ينادى : يا ويلة ، النار النار ، فقلت : ما لك؟ قال : كنت فيمن دخل على عثمان يوم الدار ، وكنت فى سرعان الناس ، أو من أول الناس وصل إليه ، فلما دنوت منه صاحت امرأته فلطمتها ، فنظر إلى عثمان فتغرغرت عيناه بالدموع ، وقال : ما لك سلب الله يدك ورجليك وأعمى بصرك وأدخلك جهنم ، قال : فأخذتنى رعدة شديدة ، ولا والله ما أحدثت شيئا غير هذا.
فخرجت وركبت راحلتى ، حتى إذا صرت بموضعى هذا ليلا أتانى آت ، وإله ما أدرى إنسى هو أم جنى ، ففعل بى الذي ترى ، وقد استجاب الله دعوته فى يدى ورجلى وبصرى ، فو الله إن بقى إلا النار. قال أبو قلابة : فهممت أن أطأ برجلى ، ثم قلت : بعدا وسحقا.
وكان مع عثمان رحمهالله ورضى عنه فى الدار جماعة من الصحابة وأناء الصحابة ، يدرءون عنه ، وقاتلوا عنه يوم الدار حتى أخرج منهم يومئذ أربعة من شباب قريش محمولين مضرجين بالدم ، وهم الحسن بن على ، وعبد الله بن الزبير ، ومحمد بن حاطب ، ومروان بن الحكم ، ولما أخبر على بقتله قال للذين أخبروه : تبا لكم آخر الدهر ، وسمع يومئذ ضجة ، فسأل عنها ، فقيل : عائشة تلعن قتلة عثمان ، والناس يؤمنون ، فقال على : اللهم العن قتلة عثمان ، اللهم العن قتلة عثمان.
وقال سعيد بن زيد : لو أن أحدا انقض لما فعل بعثمان لكان حقيقا أن ينقض.
وقال ابن العباس : لو اجتمع الناس على قتل عثمان لرموا بالحجارة كما رمى قوم لوط.
وقال عبد الله بن سلام : لقد فتح الناس على أنفسهم بقتل عثمان باب فتنة لا ينغلق عنهم إلى يوم القيامة.