مروالروذ ، فحصر أهلها ، فخرجوا إليهم فقاتلوهم ، فهزمهم المسلمون حتى اضطروهم إلى حصونهم ، فأشرفوا عليهم ، فقالوا : يا معشر العرب ، ما كنتم عندنا كما نرى ، لو علمنا أنكم كما نرى لكاتب لنا ولكم حال غير هذه ، فأمهلونا ننظر فى يومنا ، وارجعوا إلى عسكركم ، فرجع الأحنف.
فلما أصبح غاداهم وقد أعدوا له ، فخرج من المدينة رجل من العجم معه كتاب ، فقال : إنى رسول فأمنونى ، فأمنوه ، فإذا هو ابن أخى مرزبان مرو ومعه كتابه إلى الأحنف ، وإذا فيه : إلى أمير الجيش ، إنا نحمد الله الذي بيده الدول ، يغير ما شاء من الملك ، ويرفع من شاء بعد الذلة ، ويضع من شاء بعد الرفعة ، إنى دعانى إلى مصالحتك وموادعتك ما كان من إسلام جدى ، وما كان رأى من صاحبكم من الكرامة والمنزلة ، فمرحبا بكم فأبشروا ، وأنا أدعوكم إلى الصلح على أن أؤدى إليكم خراجنا ستين ألف درهم ، وأن تقروا بيدى ما كان ملك الملوك كسرى أقطع جد أبى حيث قتل الحية التي أكلت الناس وقطعت السبيل من الأرض والقرى بما فيها من الرجال ، ولا تأخذوا من أحد من أهل بيتى شيئا من الخراج ، ولا تخرجوا المرزبة من أهل بيتى إلى غيرهم ، فإن جعلت ذلك لى خرجت إليك ، وقد بعثت إليك ابن أخى ماهك ليستوثق منك بما سألت.
فكتب إليه الأحنف :
بسم الله الرحمن الرحيم ، من صخر بن قيس أمير الجيش إلى باذان مرزبان مروالروذ ومن معه من الأساورة والأعاجم ، سلام على من اتبع الهدى وآمن واتقى ، أما بعد ، فإن ابن أخيك ماهك قدم علىّ ، فنصح لك جهده ، وأبلغ عنك ، وقد عرضت ذلك على من معى من المسلمين ، وأنا وهم فيما عليك سواء ، وقد أجبناك إلى ما سألت ، وعرضت علىّ أن تؤدى عن كورتك وفلاحيك والأرضين ستين ألف درهم إلىّ وإلى الوالى بعدى من أمراء المسلمين ، إلا ما كان من الأرضين التي ذكرت أن كسرى الظالم لنفسه أقطعها جد أبيك ، والأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، وإن عليك نصرة المسلمين وقتال عدوهم بمن معك من الأساورة إن أحب المسلمون ذلك ، وإن لك على ذلك نصر المسلمين على من يقاتل من ورائك من أهل ملتك ، جار لك بذلك منى كتاب يكون لك بعدى ، ولا خراج عليك ولا على أحد من أهل بيتك من ذوى الأرحام ، وإن أنت أسلمت واتبعت الرسول كان لك ما للمسلمين من العطاء والمنزلة والرزق وأنت أخوهم ، ولك بذلك ذمتى وذمة أبى وذمة المسلمين وذمم آبائهم.