تفرقوا إلى بلدانهم خوفا عليها ، وخلوا الروم ، فأتى سهيل بن عدى حتى انتهى إلى الرقة ، وقد حصر فيها أهلها الذين ارفضوا عن حمص ، فنزل عليهم ، وأقام محاصرهم حتى صالحوه ، وذلك أن قالوا فيما بينهم : إنكم بين أهل العراق وأهل الشام ، فما بقاؤكم على حرب هؤلاء وهؤلاء؟ فبعثوا إلى عياض ، وهو فى منزل واسط بالجزيرة ، فقبل منهم وعقد لهم عن أمرة سهيل بن عدى.
وخرج عبد الله بن عبد الله بن عتبان ، فسلك على دجلة حتى انتهى إلى الموصل ، عبر إلى بلد ثم أتى نصيبين ، فلقوا بالصلح ، وصنعوا كما صنع أهل الرقة ، وخافوا مثل الذي خافوا ، فعقد لهم عبد الله عن أمر عياض ، وأجروا ما أخذوه عنوة من الرقة ونصيبين ، ثم أجابوا مجرى أهل الذمة ، ولما أعطى أهل الرقة ونصيبين الطاعة ، ضم عياض سهيلا وعبد الله إليه ، فسار بالناس إلى حران ، فأخذ ما دونها ، فلما انتهى إليهم اتقوه بالإجابة إلى الجزية ، فقبل منهم ، وأجرى من أجاب بعد غلبته مجرى أهل الذمة ، ثم سرح سهيلا وعبد الله إلى الرها ، فاتقوهما بالإجابة إلى الجزية ، فقبل ذلك عياض منهم ، وأجرى من دونهم مجراهم ، فكانت الجزيرة أسهل البلدان أمرا وأيسره فتحا.
وقال سهيل بن عدى فى ذلك :
وصادمنا الفرات غداة سرنا |
|
إلى أهل الجزيرة بالعوالى |
ولم نثن الأعنة حين سرنا |
|
بجرد الخيل والأسل النهال |
فأجهضنا الأولى قادوا لحمص |
|
وقد منوا أمانى الضلال |
أخذنا الرقة البيضاء لما |
|
رأينا الشهر لوح بالهلال |
وأزعجت الجزيرة بعد خفض |
|
وقد كانت تخوف بالزوال |
وصار الخرج صافية إلينا |
|
بأكناف الجزيرة عن تغال |
وقال فى ذلك عبد الله بن عتبان :
ألا من مبلغ عنى بجيرا |
|
فما بينى وبينك من بعاد |
فإن تقبل تلاق العدل فينا |
|
وتنسى ما عهدت من الجهاد |
وإن تدبر فما لك من نصيب |
|
نصيبى فيلحق بالعباد |
وقد ألقت نصيبين إلينا |
|
سواد البطن بالخرج السداد |
لقد لقيت نصيبين الدواهى |
|
بدهم الخيل والجرد الوراد |
ونفست الجياد عن أهل حمص |
|
جنود الروم أصحاب الفساد |