فرأيك. فأجابه عمر : إن من أتاكم من الفلاحين إذا كانوا مقيمين لم يعينوا عليكم فهو أمانهم ، ومن لم يأتكم ولم يهرب فهو أمانهم ، ومن هرب فأدركتموه فشأنكم به.
فلما جاء سعدا الكتاب خلى عنهم. وراسله الدهاقين ، فدعاهم إلى الإسلام أو الجزاء ولهم الذمة والمنعة ، فرضوا بالجزية والمنعة ، ولم يبق فى غربى دجلة إلى أرض العرب سوادى إلا أمن واغتبط بملك الإسلام واستقبلوا الخراج.
وأقام سعد بالناس على بهرسير يرمونهم بالمجانيق ويدبون إليهم بالدبابات ، ويقاتلونهم بكل عدة.
قال بعضهم : وكان سعد عند ما نزلها وعليها خنادقها وحرسها وعدة الحرب استصنع شيرزاذ المجانيق فنصب على أهلها عشرين منجنيقا فشغلهم بها ، وكان الأعاجم والعرب مطيفين بهم ، وربما خرجوا يمشون على المسنيات المشرفة على دجلة فى جماعتهم وعدتهم لقتال المسلمين ، فلا يقومون لهم ، فكان آخر ما خرجوا فى رجالة وناشبة ، وتجردوا للحرب ، وتتابعوا على الصبر ، فقاتلهم المسلمون فكذبوا وتوالوا ، وكانت على زهرة بن الجوية يومئذ درع مفصومة ، فقيل له : لو أمرت بهذا الفصم فسرد فقال : ولم؟ فقالوا : إنا نخاف عليك منه ، فقال : إنى لكريم على الله ، أن ترك سهم فارس الجند كلهم ثم أتانى من هذا الفصم حتى يثبت فىّ ، فكان أول رجل من المسلمين أصيب يومئذ بنشابة ، فثبتت فيه من ذلك الفصم ، فقال بعضهم : انزعوها عنه ، فقال : دعونى ، فإن نفسى معى ما دامت فىّ ، لعلى أن أصيب فيهم بطعنة أو بضربة أو خطوة ، فمضى نحو العدو ، فضرب بسيفه شهربراز من أهل اصطخر ، فقتله ، وأحيط به فقتل وانكشفوا.
وسيأتى بعد من أخبار زهرة بن الجوية وآثاره فى الوقائع التي لا شك فى كونها بعد هذه ما يوهن خبر قتله المذكور آنفا ، والأولى بحسب هذا إن شاء الله أن يكون غير زهرة هو صاحب هذه القصة ؛ إذ قد ذكر المدائنى أن هاشم بن عتبة قال لزهير بن سليم الأزدى ، قال : ويقال لغيره ، ورأى فى درعه فصما ، إنى لا آمن أن تصيبك نشابة فى هذا الموضع ، فلو سردته قال : لئن تركت نشابة الفارسى جسدى كله إلا هذا الموضع إنى إذا لسعيد ، ثم ذكر نحو ما تقدم ، فالله أعلم.
وقال أنيس بن الحليس (١) : بينا نحن محاصرون بهرسير بعد زحفهم وهزيمتهم ، أشرف علينا رسول فقال : إن الملك يقول لكم : هل لكم إلى المصالحة على أن لنا ما يلينا من
__________________
(١) انظر : الطبرى (٤ / ٧).