الخطاب جميعها ذمة ، وحملهم على ذلك ، فجرى ذلك فيهم إلى اليوم.
وفى كتاب سيف عمن سمى من أشياخه (١) فى فتح مصر مساق آخر غير ما تقدم ، وذلك أن عمرو بن العاص خرج إلى مصر بعد ما رجع عمر إلى المدينة ، يعنى رجوعه من الشام ، فانتهى عمرو إلى باب مصر ، وأتبعه الزبير فاجتمعا ، فلقيهم هناك أبو مريم جاثليق (٢) مصر ومعه الأسقف فى أهل النيات ، بعثهم المقوقس لمنع بلادهم.
فلما نزل بهم عمرو قاتلوه ، فأرسل إليهم عمرو : لا تعجلونا لنعذر إليكم ، وتروا رأيكم بعد ، فكفوا أصحابهم ، فأرسل إليهم عمرو : إنى بارز فليبرز لى أبو مريم وأبو مريام ، فأجابوه إلى ذلك وآمن بعضهم بعضا. فقال لهما عمرو : أنتما راهبا أهل هذه البلدة فاسمعا : إن الله بعث محمدا بالحق وأمره به ، وأمرنا به محمد ، وأدى إلينا كل الذي أمر به ، ثم مضى ، صلوات الله عليه ، وقد قضى الذي عليه وتركنا على الواضحة ، وكان مما أمرنا به الإعذار إلى الناس ، فنحن ندعوكم إلى الإسلام ، فمن أجابنا إليه قبلنا منه وكان مثلنا ، ومن لم يجبنا إليه عرضنا عليه الجزية ، وبذلنا له المنعة ، وقد أعلمنا أنا مفتتحوكم ، وأوصانا بكم حفظا لرحمنا فيكم ، وإن لكم إن أجبتمونا إلى ذلك ذمة إلى ذمة ، ومما عهد إلينا أميرنا : استوصوا بالقبطيين خيرا ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أوصى بالقبطيين خيرا ؛ لأن لهم رحما وذمة ، يعنى بالرحم أن هاجر أم إسماعيل بن إبراهيم عليهماالسلام منهم ، فقالا : قرابة بعيدة لا يصل مثلها إلا الأنبياء وأتباع الأنبياء ، وذكرا أن هاجر معروفة عندهم شريفة.
قالا : كانت ابنة ملكنا ، وكان من أهل منف والملك فيهم ، فأذيل عليهم أهل عين شمس فقتلوهم وسلبوا ملكهم واغتربوا ، فلذلك صارت إلى إبراهيم عليهالسلام. مرحبا بكم وأهلا أمنا حتى نرجع إليك.
فقال عمرو : إن مثلى لا يخدع ولكننى أؤجلكما ثلاثا ولتناظرا قومكما ، وإلا ناجرناكم.
قالا : زدنا ، فزادهم يوما ، فقالا : زدنا ، فزادهم يوما ، فرجعوا إلى المقوقس ، فهم ، يعنى بالإنابة إلى الجزية ، فأبى أرطبون أن يجيبهما ، وأمر بمناهدتهم ، فقالا لأهل مصر : أما نحن فسنجهد أن ندفع عنكم ، لا نرجع إليهم وقد بقيت أربعة أيام ، فلا تصابون فيها بشيء
__________________
(١) انظر : تاريخ الرسل والملوك للطبرى (٤ / ١٠٧ ، ١٠٨).
(٢) الجاثليق : رئيس النصارى فى ديار الإسلام.