وقال عكرمة بن أبى جهل يومئذ (١) : قاتلت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى كل موطن ، وأفر منكم اليوم ، ثم نادى : من يبايع على الموت؟ فبايعه الحارث بن هشام ، وضرار بن الأزور فى أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم ، فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعا جراحا وماتوا ، إلا من برأ ، منهم ضرار بن الأزور ، وأتى خالد بعد ما أصبحوا بعكرمة جريحا ، فوضع رأسه على فخذه ، وبعمرو بن عكرمة ، فوضع رأسه على ساقيه ، وجعل يمسح عن وجوههما ويقطر الماء فى حلوقهما ، ويقول : كلا ، زعم ابن حنتمة أنا لا نستشهد.
وأصيبت يومئذ عين أبى سفيان بن حرب ، وكان الأشتر قد شهد اليرموك ولم يشهد القادسية ، فخرج يومئذ ، رجل من الروم ، فقال : من يبارز ، فخرج إليه الأشتر ، فاختلفا ضربتين ، فقال للرومى : خذها وأنا الغلام النخعي ، فقال الرومى : أكثر الله فى قومى مثلك ، أما والله لو لا أنك من قومى لذدت عن الروم ، فأما الآن فلا أعينهم.
وفى حديث عبد الرحمن بن غنم ، وذكر قتال المسلمين تلك الليلة ، قال : حتى إذا فتح الله على المسلمين من آخر الليل ، وقتلوهم حتى الصباح ، أصبحوا فاقتسموا الغنائم ، ودفنوا قتلى المسلمين ، وبلغوا ثلاثة آلاف ، وصلى كل أمير على قتلى أصحابه ، ودفع خالد بن الوليد العهد إلى أبى عبيدة بعد ما فرغ من القسم ، ودفن الشهداء ، وتراجع الطلب ، فولى أبو عبيدة ، رحمهالله النفل من الأخماس ، فنفل وأكثر. وكتب بالفتح.
قالوا (٢) : وكان فى الثلاثة آلاف الذين أصيبوا : عكرمة وابنه عمرو ، وسلمة بن هشام ، وعمرو بن سعيد ، وأثبت خالد بن سعيد ، فلا يدرى أين مات بعد ، وقد تقدم ذكر موت خالد فى غير هذه الوقعة ، وهذا مما يقع بين الناقلين من الاختلاف الذي تقدم التنبيه عليه ، فالله تعالى أعلم.
وعن عمرو بن ميمون وغيره ، ذكروا : أن هرقل كان حج بيت المقدس ، قال : فبينا هو يقيم به أتاه الخبر بقرب الجنود منه ، فجمع الروم وقال : أرى من الرأى أن لا تقاتلوا هؤلاء القوم وأن تصالحوهم ، فو الله لئن تعطوهم نصف ما أخرجت الشام وتأخذوا نصفا وتقر لكم جبال الروم خير لكم من أن يغلبوكم على الشام ويشاركوكم فى جبال الروم ، فنخر أخوه وختنه ، وتصدع عنه من كان حوله ، فلما رآهم يعصونه ويردون عليه
__________________
(١) انظر : تاريخ الطبرى (٣ / ٤٠١).
(٢) انظر : تاريخ الطبرى (٣ / ٤٠٢).