المسلمون وزالت الميسرة عن مصافها ، وثبت أهل الرايات وأهل الحفاظ ، فقاتلوا قتالا شديدا ، وركبت الروم أكتاف من انهزم من المسلمين حتى دخلوا معهم العسكر ، فاستقبلهم نساء المسلمين بالعناهر يضربن بها وجوههم.
وعن حنظلة بن جويه قال (١) : والله إنى لفى الميسرة إذ مر بنا رجال من الروم على خيل من خيل العرب لا يشبهون الروم وهم أشبه شيء بنا ، فلا أنسى قول قائل منهم : يا معشر العرب ، الحقوا بوادى القرى ويثرب ، وهو يقول :
فى كل يوم خيلنا تغير |
|
نحن لنا البلقاء والسدير |
هيهات يأبى ذلك الأمير |
|
والملك المتوج المحبور |
قال : فحملت عليه وحمل علىّ ، فاضطربنا بسيفينا فلم يغنينا شيئا ثم اعتنقنا ، فخررنا جميعا فاعتركنا ساعة ، ثم إننا تحاجزنا ، فنظرت إلى عنقه وقد بدا منها مثل شراك النعل ، فمشيت إليه فاعتمدت ذلك الموضع بسيفى ، فو الله ما أخطأته ، فقطعته فصرع ، فضربته حتى قتلته ، وأقبلت إلى فرسى وقد كان عار ، وإذا فرسى قد حبسوه علىّ ، فأقبلت حتى ركبته ، قال : وقاتل قباث بن أشيم يومئذ ، قتالا شديدا ، وأخذ يقول :
إن تفقدونى تفقدوا خير فارس |
|
لدى الغمرات والرئيس المحاميا |
وذا فخر لا يملأ الهول صدره |
|
ضروبا بنصل السيف أروع ماضيا |
وكسر فى الروم يومئذ ثلاثة أرماح ، وقطع سيفين ، ويقول كلما قطع سيفا أو كسر رمحا : من يعين بسيف أو برمح فى سبيل الله رجلا قد حبس نفسه مع أولياء الله وقد عاهد الله ألا يفر ولا يبرح يقاتل المشركين حتى يظهر المسلمون أو يموت. وكان من أحسن الناس بلاء يومئذ.
ونزل أبو الأعور السلمى ، فقال : يا معشر قريش ، خذوا بحظكم من الصبر والأجر ، فإن الصبر فى الدنيا عز ومكرمة ، وفى الآخرة رحمة وفضيلة ، فاصبروا وصابروا.
وعن حبيب بن مسلمة قال (٢) : اضطررنا يوم اليرموك إلى سعيد بن زيد ، فلله سعيد ما سعيد يومئذ إلا مثل الأسد ، جثا والله على ركبتيه حتى إذا دنوا وثب فى وجوههم مثل الليث ، فطعن برايته أول رجل من القوم فقتله ، وأخذ والله يقاتل راجلا ، فقاتل الرجل البئيس الشجاع فارسا ، قال : وكان يزيد بن أبى سفيان من أعظم الناس غناء
__________________
(١) انظر : تاريخ فتوح الشام (٢٢٧).
(٢) انظر : تاريخ فتوح الشام (٢٢٨).