وأهل الصحراء والحجر والبؤس والشقاء ، أفأنتم تطمعون أن نتخلى لكم عن بلادنا ، بئس ما طمعتم فيه منا ، وقد ظننا أنه لم يأت بكم إلى بلادنا ونحن ننفى كل من حولنا من الأمم العظيمة الشأن الكثيرة العدد إلا جهد نزل بكم من جدوبة الأرض وقحط المطر ، فعثتم فى بلادنا وأفسدتم كل الفساد ، وقد ركبتم مراكبنا ، وليست كمراكبكم ، ولبستم ثيابنا ، وليست كثيابكم ، وطعمتم من طعامنا وليس كطعامكم ، وأصبتم منا وملأتم أيديكم من الذهب الأحمر والفضة البيضاء ، والمتاع الفاخر ، ولقد لقيناكم الآن وذلك كله لنا ، وهو فى أيديكم ، فنحن نسلمه لكم ، فاخرجوا به وانصرفوا عن بلادنا ، فإن أبت أنفسكم إلا أن تخرجوا وتشرهوا وأردتم أن نزيدكم من بيوت أموالنا ما نقوى به الضعيف منكم ، ويرى الغائب أن قد رجع إلى أهله بخير فعلنا ، ونأمر للأمير منكم بعشرة آلاف دينار ونأمر لك بمثلها ، ونأمر لرؤسائكم بألف دينار ألف دينار ، ونأمر لجميع أصحابك لكل واحد منهم بمائة دينار ، على أن تحلفوا لنا بالأيمان المغلظة أن لا تعودا إلى بلادنا ، ثم سكت.
فقال خالد : الحمد لله الذي لا إله إلا هو ، فلما فسر ذلك الترجمان ، رفع باهان يديه إلى السماء ، ثم أشار إليه بيده ، وقال لخالد : نعم ما قلت ، قال خالد : وأشهد أن محمدا رسول الله ، فلما فسرها الترجمان قال باهان : الله أعلم ، ما أدرى لعله كما تقول ، ثم قال خالد : أما بعد ، فإن كل ما ذكرت به قومك من الغنى والعز ومنع الحريم والظفر على الأعداء والتمكن فى البلاد نحن به عارفون ، وكل ما ذكرت من إنعامكم على جيرانكم منا فقد عرفناه ، وذلك لأمر كنتم تصلحون به دنياكم زيادة فى ملككم وعزا لكم ألا ترون أن ثلثيهم أو شطرهم قد دخلوا فى دينكم وهم يقاتلوننا معكم ، وأما ما ذكرتنا به من رعى الإبل والغنم ، فما أقل ما رأيت واحدا منا يكرهه ، وما لمن يكرهه منا فضل على من يفعله ، وأما قولك : إنا أهل الصحراء والحجر والبؤس والشقاء ، فحالنا والله كما وصفته وما ننتفى من ذلك ولا نتبرأ منه ، وكنا على أسوأ وأشد مما ذكرت ، وسأقص عليك قصتنا وأعرض عليك أمرنا وأدعوك إلى حظك إن قبلت ، ألا إنا كنا معشر العرب أمة من هذه الأمم ، أنزلنا الله وله الحمد منزلا من الأرض ليست به أنهار جارية ولا يكون فيه من الزرع إلا القليل ، وجل أرضنا المهامة والقفار ، وكنا أهل الحجر ومدر وشاة وبعير وعيش شديد وبلاء دائم لازم ، نقطع أرحامنا ، ونقتل خشية الإملاق أولادنا ، ويأكل قوينا ضعيفنا ، وكثيرنا قليلنا ، ولا تأمن قبيلة منا قبيلة إلا أربعة أشهر من السنة ، نعبد من دون الله أوثانا وأصناما ننحتها بأيدينا من الحجارة التي نختارها على أعيننا ،