بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد ، فإن الله جل ثناؤه ذا المن والفضل والنعم العظام فتح على المسلمين أرض الأردن ، فرأت طائفة من المسلمين أن يقروا أهلها ، على أن يؤدوا الجزية إليهم ، ويكونوا عمار الأرض ، ورأت طائفة أن يقتسموهم ، فاكتب إلينا يا أمير المؤمنين برأيك فى ذلك ، أدام الله لك التوفيق فى جميع الأمور ، والسلام.
فكتب إليه عمر : بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله عمر أمير المؤمنين ، إلى أبى عبيدة بن الجراح ، سلام عليك ، فإنى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد : فقد بلغنى كتابك تذكر إعزاز الله أهل دينه ، وخذلانه أهل عدوانه ، وكفايته إيانا مئونة من عادانا ، فالحمد لله على إحسانه فيما مضى ، وحسن صنيعه فيما غبر ، الذي عافى جماعة المسلمين ، وأكرم بالشهادة فريقا من المؤمنين ، فهنيئا لهم رضا ربهم ، وكرامته إياهم ، ونسأل الله أن لا يحرمنا أجرهم ، ولا يفتنا بعدهم ، فقد نصحوا الله وقضوا ما عليهم ، ولربهم كانوا يحفدون ، ولأنفسهم كانوا يمهدون ، وقد فهمت ما ذكرت من أمر الأرض التي ظهر عليها وعلى أهلها المسلمون ، فقالت طائفة : نقر أهلها ، على أن يؤدوا الجزية للمسلمين ، ويكونوا للأرض عمارا.
ورأت طائفة أن يقتسموهم ، وإنى نظرت فيما كتبت فيه ، ففرق لى من الرأى فيما سألتنى عنه أنى رأيت أن تقرهم ، وتجعل الجزية عليهم ، وتقسمها بين المسلمين ، ويكونوا للأرض عمارا ، فهم أعلم بها وأقوى عليها ، أرأيتم لو أنا أخذنا أهلها فاقتسمناهم ، من كان يكون لمن يأتى بعدنا من المسلمين؟ والله ما كانوا ليجدوا إنسانا يكلمونه ، ولا ينتفعون بشيء من ذات يده ، وإن هؤلاء يأكلهم المسلمون ما داموا أحياء ، فإذا هلكنا وهلكوا أكل أبناؤنا أبناءهم أبدا ما بقوا ، وكانوا عبيدا لأهل الإسلام ما دام دين الإسلام ظاهرا ، فضع عليهم الجزية ، وكف عنهم السباء ، وامنع المسلمين من ظلمهم والإضرار بهم وأكل أموالهم إلا بحقها ، والسلام عليك.
فلما جاء أبا عبيدة هذا الرأى من عمر عمل به ، وكان رأيه ورأى عمر فى ذلك واحدا (١).
وقال علقمة بن الأرث القينى فى يوم فحل :
ونحن قتلنا كل واف سباله |
|
من الروم معروف النجار منطق |
نطلق بالبيض الرقاق نساءهم |
|
وأبنا إلى أزواجنا لم تطلق |
__________________
(١) انظر : تاريخ فتوح الشام (١٣٩ ـ ١٤٢).