وذكر غير الطبرى أن خالدا حين أراد المسير إلى الشام قال له محرز بن حريش ، وكان يتجر بالحيرة ، ويسافر إلى الشام : اجعل كوكب الصبح على حاجبك الأيمن ، ثم أمه حتى تصبح ، فإنك لا تجور. فجرب ذلك فوجده كذلك.
ثم أخذ فى السماوة حتى انتهى إلى قراقر ففوز من قراقر إلى سوى ، وهما منزلان بينهما خمس ليال ، فلم يهتدوا للطريق ، فدل على رافع بن عميرة الطائى ، فقال : خفف الأثقال واسلك هذه المفازة إن كنت فاعلا ، فكره خالد أن يخلف أحدا ، فقال : قد أتانى أمر لا بد من إنفاذه ، وأن نكون جميعا. قال : فو الله إن الراكب المنفرد ليخافها على نفسه ، ما يسلكها إلا مغررا ، فكيف أنت بمن معك؟ قال : إنه لا بد من ذلك ، فقد أتتنى عزيمة ، قال : فمن استطاع منكم أن يصر أذن راحلته على ماء فليفعل ، فإنها المهالك إلا ما وقى الله ، ثم قال لخالد : ابغنى عشرين جزورا عظاما سمانا مسان. فأتاه بهن ، فظمأهن حتى إذا أجهدهن عطشا سقاهن حتى أرواهن ، ثم قطع مشافرهن ، ثم كعمهن (١) ، ثم قال لخالد : سر بالخيول والأثقال ، فكلما نزل منزلا نحر من تلك الشرف أربعا فافتض ماءهن فسقاه الخيول ، وشرب الناس مما تزودوا حتى إذا كان آخر ذلك قال خالد لرافع : ويحك ما عندك يا رافع؟ فقال : أدركك الرأى إن شاء الله ، انظروا ، هل تجدون شجرة؟ هو شج على ظهر الطريق ، قالوا : لا ، قال : إنا لله إذا والله هلكت وأهلكت ، لا أبا لكم انظروا ، فنظروا فوجدوها ، فكبروا وكبر وقال : أحفروا فى أصلها ، فاحتفروا ، فوجدوا عينا ، فشربوا وارتووا ، فقال رافع : والله ما وردت هذا الماء قط إلا مرة مع أبى وأنا غلام.
وقال راجز من المسلمين :
لله در رافع أنى اهتدى |
|
فوز من قراقر إلى سوى |
أرضا إذا ما سارها الجيش بكى |
|
ما سارها من قبله إنس أرى |
لكن بأسباب متينات الهدى |
|
نكبها الله بنيات الردى (٢) |
وعن عبد الله بن قرط الثماليّ قال : لما خرج خالد من عين التمر (٣) مقبلا إلى الشام كتب إلى المسلمين مع عمرو بن الطفيل بن عمرو الأزدى ، وهو ابن ذى النور : أما بعد ، فإن كتاب خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أتانى ، فأمرنى بالمسير إليكم ، وقد شمرت وانكمشت ، وكأن قد أظلت عليكم خيلى ورجالى ، فأبشروا بإنجاز موعود الله ، وحسن ثواب الله ،
__________________
(١) كعمهن : أى شد أفواههن.
(٢) انظر الأبيات فى : تاريخ الطبرى (٣ / ٤١٦).
(٣) راجع خبر عين التمر فى : المنتظم لابن الجوزى (٤ / ١٠٧) ، تاريخ الطبرى (٣ / ٣٧٦).