سفيان : إن هذه الخصال كان يزيد بهن مستوصيا ، وعليهن مواظبا قبل أن يسير إلى الشام ، فهو الآن لهن ألزم إن شاء الله تعالى. فقال شرحبيل : الله المستعان ، وما شاء الله أن يكون كان ، ثم ودع أبا بكر وخرج فى جيشه قبل الشام ، وبقى عظم الناس مع أبى عبيدة فى العسكر يصلى بهم ، وأبو عبيدة ينتظر كل يوم أن يدعوه أبو بكر ، فيسرحه ، وأبو بكر ينتظر به قدوم العرب عليه من كل مكان ، يريد أن يشحن أرض الشام من المسلمين ، ويريد إن زحفت إليهم الروم أن يكونوا مجتمعين ، فقدمت عليه حمير فيها ذو الكلاع ، واسمه أيقع ، وجاءت مذحج فيها قيس بن هبيرة المرادى معه جمع عظيم من قومه ، وفيهم الحجاج بن عبد يغوث الزبيدى ، وجاء حابس بن سعد الطائى فى عدد كثير من طيئ ، وجاءت الأزد فيهم جندب بن عمرو بن حممة الدوسى ، وفيهم أبو هريرة ، وجاءت جماعة من قبائل قيس ، فعقد أبو بكر رضياللهعنه ، لميسرة بن مسروق العبسى عليهم ، وجاء قباث بن أشيم فى بنى كنانة ، فأما ربيعة وأسد وتميم فإنهم كانوا بالعراق.
وعن سهل بن سعد أن أبا بكر ، رحمهالله ، لما أراد أن يبعث أبا عبيدة دعاه ، فأتاه فسلم عليه ، ثم جلس ، فمكث أبو بكر مليا لا يكلمه ، فظن أبو عبيدة أنه هم بعزله كما عزل خالد بن سعيد وهو يستحى أن يستقبله به ، فقال : يا خليفة رسول الله ، إن كنا لا نصلح لكم ولا نحبكم ولا ننصحكم إلا بأن تولونا فلسنا بإخوان فى الله ، وإن كنا لا نجاهد فى سبيل الله ولا نقاتل أعداء الله إلا أن نكون أمراء رؤساء فلسنا الله نريد بجهادنا ، وإنما ننوى به إذا الفخر فى الدنيا ، إنى أطلب إليك أن تعزلنى عن هذا الجند وتولى عليه من أحببت وأنا أخرج معه ، فأشير عليه برأيى وأنصحه جهدى ، وأواسى المسلمين بنفسى. فقال أبو بكر : سبحان الله ، يا أبا عبيدة أظننت أنك ممن نتهمه أو ممن نبتغى به بدلا أو ممن نتخوف أن يأتى المسلمين من قبله وهن أو خلاف أو فساد؟ معاذ الله أن نكون من أولئك ، ثم قال له :
اسمع سماع من يريد أن يفهم ما قيل له ثم يعمل بما أمر به ، إنك تخرج فى أشراف العرب وبيوتات الناس وصالحاء المسلمين وفرسان الجاهلية ، كانوا إذ ذاك يقاتلون حمية ، وهم اليوم يقاتلون على النية الحسنة والحسبة ، أحسن صحبة من صحبك ، وليكونوا عندك فى الحق سواء ، فاستعن بالله ، وكفى به معينا ، وتوكل عليه وكفى بالله وكيلا. اخرج من غد إن شاء الله ، فخرج من عنده ، فلما ولى قال : يا أبا عبيدة ، فانصرف إليه ، فقال له : إنى أحب أن تعلم كرامتك علىّ ، ومنزلتك منى ، والذي نفسى بيده ، ما على