وكان خالد قد خطب إلى مجاعة ابنته ، وكانت أجمل أهل اليمامة ، فقال له مجاعة : مهلا ، إنك قاطع ظهرى وظهرك عند صاحبك (١) ، إن القالة عليك كثيرة ، وما أقول هذا رغبة عنك ، فقال له خالد : زوجنى أيها الرجل ، فإنه إن كان أمرى عند صاحبى على ما أحب فلن يفسده ما تخاف علىّ ، وإن كان على ما أكره ، فليس هذا بأعظم الأمور ، فقال له مجاعة : قد نصحتك ، ولعل هذا الأمر لا يكون عيبة إلا عليك ، ثم زوجه.
فلما بلغ ذلك أبا بكر رضياللهعنه ، غضب ، وقال لعمر بن الخطاب : وأبى خالد أنه لحريص على النساء ، حين يصاهر عدوه ، وينسى مصيبته ، فوقع عمر فى خالد ، وعظم الأمر ما استطاع ، فكتب أبو بكر إلى خالد مع سلمة بن سلامة :
يا خالد بن أم خالد ، إنك لفارغ ، تنكح النساء ، وتعرس بهن ، وببابك دماء ألف ومائتين من المسلمين ، لم تجف بعد ، ثم خدعك مجاعة عن رأيك فصالحك على قومه ، ولقد أمكن الله منهم ، فى كلام غير هذا ذكره وثيمة فى الردة. فلما نظر خالد فى الكتاب قال : هذا عمل عمر (٢).
وكتب إلى أبى بكر جواب كتابه مع أبى برزة الأسلمى : أما بعد ، فلعمرى ما تزوجت النساء حتى تم لى السرور ، وقرت بى الدار ، وما تزوجت إلا إلى امرئ لو أعملت إليه من المدينة خاطبا لم أبل ، دع أنى استشرت خطبتى إليه من تحت قدمي ، فإن كنت كرهت لى ذلك لدين أو دنيا اعتبتك ، وأما حسن عزائى على قتلى المسلمين ، فو الله لو كان الحزن يبقى حيا أو يرد ميتا لأبقى حزنى الحى ورد الميت ، ولقد أقحمت فى طلب الشهادة حتى يئست من الحياة ، وأيقنت بالموت ، وأما خدعة مجاعة إياى عن رأيى ، فإنى لم أخط رأى يومى ، ولم يكن لى علم بالغيب ، وقد صنع الله للمسلمين خيرا ، أورثهم الأرض ، وجعل لهم عاقبة المتقين.
فلما قدم الكتاب على أبى بكر رضياللهعنه ، رق بعض الرقة ، وتم عمر على رأيه الأول فى عيب خالد بما صنع ، ووافقه على ذلك رهط من قريش ، فقام أبو برزة الأسلمى فعذر خالدا ، وقال : يا خليفة رسول الله ، ما يؤبن خالد بجبن ولا خيانة ، ولقد
__________________
(١) انظر : المنتظم لابن الجوزى (٤ / ٨٣).
(٢) ذكر ابن الجوزى فى المنتظم كتاب أبى بكر رضياللهعنه إلى خالد فقال : «... فبلغ ذلك أبا بكر فكتب إليه : لعمرى يا ابن أم خالد ، إنك لفارغ حين تتزوج النساء وحول حجرتك دماء المسلمين لم تجف بعد ، فإذا جاءك كتاب فالحق بمن معك من جموعنا بأهل الشام ، واجعل طريقك على العراق ، فقال : وهو يقرأ الكتاب : هذا عمل الأعيسر ، يعنى عمر بن الخطاب.