وقد تقدمت في غزوة الحديبية بعض الإشارات إلى بعض ما تضمنته قصة حبس الفيل من دلالات وعبر فراجع ما ذكرناه هناك ، حين التعرض لقوله «صلىاللهعليهوآله» عن ناقته : «حبسها حابس الفيل».
غير أننا نشير هنا : إلى أن ما ورد في هذه الخطبة ، حول نفس هذا الأمر ، قد أريد به لفت النظر إلى أمر مهم ، وهو :
أن دخوله «صلىاللهعليهوآله» مكة بالسلاح ، وبدون إحرام ، وعلى هيئة القتال ، ليس على حد دخول أبرهة الذي جاء للعدوان على بيت الله ، وهتك حرمة الحرم ، إذ ليس كل دخول لمكة بالسلاح هتك لحرمتها ، أو مناف لما يدعوهم الله إليه من تعظيمها ، إذ لو كان كذلك لتدخل الله تبارك وتعالى لمنعه «صلىاللهعليهوآله» من ذلك ، كما تدخل لمنع أبرهة وجيشه منه ، حيث حبس الفيل عن مكة ، ليكون آية للمعتدين ، وعبرة للمعتبرين ، فلما اصروا على هتك حرمتها ، ولم يعودوا إلى الله ، ولم يتوبوا إليه ، أرسل عليهم (طَيْراً أَبابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ).
وذلك يدل وشواهد كثيرة أخرى على : أن دخول النبي «صلىاللهعليهوآله» والمسلمين كان دخول تعظيم للحرم ودفاع عن مكة والكعبة. وليس دخول إهانة أو استهانة ..
وحمل السلاح إنما هو من أجل رفع الحيف عن مكة وعن البيت ، وإبعاد مظاهر الشرك ، الذي هو أعظم مظاهر الإهانة ، وتطهيرها من الظلم والعدوان ، وإخراجها من أيدي العتاة والمستكبرين.
والخلاصة : أن تسليط المسلمين على مكة ، إنما هو لإعزازها ، وإعزاز الكعبة ، ولإحقاق الحق ، وإبطال الباطل ، واقتلاع الشرك والوثنية ، وإعلاء