ثم قال : ولم أعلم أحدا ذكر فيها أثرا يعتمد عليه ، والله أعلم أيتهما هي السقيا؟ الأولى لقربها من الطريق ، أم هذه لتواتر التبرك بها؟ أو لعلها البئر التي احتفرتها فاطمة ابنة الحسين حين أخرجت من بيت جدتها فاطمة الكبرى ، وذكر القصة الآتية في حفرها لبئرها ، ثم قال : إن الظاهر أن هذه هي بئر فاطمة ، والأولى هي السقيا.
قلت : قوله «إن الأولى هي السقيا» هو الصواب كما سيأتي ، وأما قوله «إن الثانية هي بئر فاطمة» فعجيب ؛ لأن مقتضى قوله ومنها أنها من جملة الآبار التي ذكر ابن زبالة أن النبي صلىاللهعليهوسلم أتاها وشرب منها ، وبئر فاطمة بنت الحسين هي التي احتفرتها بعد النبي صلىاللهعليهوسلم ، وإنما ذكرها ابن زبالة في خبر بناء المسجد ، وذكر في آبار النبي صلىاللهعليهوسلم ما قدمناه في بئر إهاب مع بئر السقيا وغيرهما من الآبار ، ثم أفردهما ثانيا في سياق ما جاء في الحرة الغربية ، وأيضا فقد ذكر المطري أن البئر المذكورة لم تزل يتبرك بها قديما وحديثا ، وينقل منها الماء إلى الآفاق ، فكيف ترجّح أنها المنسوبة لابنة الحسين مع وجود بئر في تلك الجهة ينسب إلى النبي صلىاللهعليهوسلم إتيانها والبصق فيها؟ فالذي ترجّح عندي أن هذه البئر المعروفة بزمزم هي بئر إهاب ، وقد رأيت عندها مع طرف الجدار الذي بجانبها الدائر على الحديقة آثار قصر قديم كان مبنيّا عليها الظاهر أنه قصر إسماعيل بن الوليد الذي ابتناه عليها ، وفي شاميها بئر أخرى في الحديقة المذكورة يحتمل أنها هي المنسوبة لابنة الحسين ، ولعل حوض ابن هشام كان هناك ، والله أعلم.
بئر البصّة : ـ بضم الموحدة وفتح الصاد المشددة آخره هاء ، كانها من بصّ الماء بصّا رشح ، كذا قاله المجد ـ قال : وإن روى بالتخفيف فمن وبص يبص وبصا وبصة كوعد يعد وعدا وعدة إذا بلغ ، أو من وبص لي من المال أي أعطاني.
قلت : المعروف بين أهل المدينة التخفيف.
وروى ابن زبالة وابن عدي من طريقه عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يأتي الشهداء وأبناءهم ، ويتعاهد عيالاتهم ، قال : فجاء يوما أبا سعيد الخدري فقال : هل عندك من سدر أغسل به رأسي فإن اليوم الجمعة؟ قال : نعم ، فأخرج له سدرا ، وخرج معه إلى البصة ، فغسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأسه ، فصب غسالة رأسه ومراقة شعره في البصة.
قال ابن النجار : وهذه البئر قريبة من البقيع على طريق الماضي إلى قباء ، وهي بين نخل ، وقد هدمها السيل وطمّها ، وفيها ماء أخضر ، وقفت على قفّها ، وذرعت طولها ، فكان أحد عشر ذراعا ، منها ذراعان ماء ، وعرضها سبعة أذرع ، وهي مبنية بالحجارة ، ولون مائها إذا انفصل منها أبيض ، وطعمه حلو ، إلا أن الأجون غلب عليه. وذكر لي الثقة أن أهل المدينة كانوا يستقون منها قبل أن يطمّها السيل ، اه.