سائمته ، وما أراد قربه منها ؛ فيرى أن قوله صلىاللهعليهوسلم والله أعلم «لا حمى إلا لله ولرسوله» لا حمى على هذا المعنى الخاص ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم إنما كان يحمى إن شاء لمصالح عامة المسلمين ، لا لما حمى له غيره من خاصة نفسه ، وذلك أنه لم يملك إلا ما لا غنى به وبعياله عنه ، وصير ما ملكه الله من خمس الخمس مردودا في مصلحتهم ، وماله ونفسه كان مفرغا في طاعة الله.
حمى أبي بكر وعمر
قال : وقد حمى بعده عمر رضي الله تعالى عنه أرضا لم يعلم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حماها ، وقال غيره : حمى أبو بكر رضي الله تعالى عنه ، وحمى عمر الشرف ، قيل : والربذة ، وقيل : حماها أبو بكر ، وقيل : النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولعله حمى بعضها ثم زاد كل منهما بعده فيها شيئا.
وسيأتي عن الهجري أن عمر أول ما أحمى بضرية ، وأن عثمان زاد فيه.
وما حماه رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يجوز تغييره بحال ، بل ينسحب عليه حكم الحمى وإن زالت معالمه على الأصح ، بخلاف حمى سائر الأئمة ، قال الشافعي : ويكره أن يقطع الشجر بالمدينة ، وكذا بوجّ من الطائف ، وكذا بكل موضع حماه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والموضع الذي حماه رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا شك فيه بالنقيع ، وأما الصيد فلا يكره فيه ، انتهى.
والمراد بالكراهة هنا كراهة التحريم.
وروى ابن عبد البر أن عمر رضي الله تعالى عنه بلغه عن يعلي بن أمية ويقال : أمينة ، وكان عاملا على اليمن أنه حمى لنفسه فأمره أن يمشي على رجليه إلى المدينة ، فمشى أياما إلى صعدة ، فبلغه موت عمر ، فركب.
وروى الشافعي وغيره أن عمر استعمل مولاه هنيا على الحمى ، فقال له : يا هني ضم جناحك للناس ، واتّق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مجابة ، وأدخل رب الصريمة والغنيمة ، وإياك ونعم ابن عفان وابن عوف ، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخل وزرع ، وإن رب الغنيمة يأتيني بعياله فيقول : يا أمير المؤمنين ، يا أمير المؤمنين ، أفتاركهم أنا لا أبا لك؟ فالماء والكلأ أهون عليّ من الدنانير والدراهم ، ألا وأيم الله لعليّ ذلك ، إنهم ليرون أني قد ظلمتهم ، إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام ، ولو لا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت على المسلمين من بلادهم شبرا.
قال الشافعي : وإنما نسب الحمى إلى المال الذي يحمل عليه في سبيل الله لأنه كان أكثر ما عنده مما يحتاج إلى الحمى.
وعن مولى لعثمان بن عفان أنه كان معه في ماله بالعالية في يوم صائف ، إذ رأى رجلا يسوق بكرين ، وعلى الأرض مثل الفراش من الحر ، فقال : ما على هذا لو أقام بالمدينة حتى يبرد ثم يروح ، انظروا من هذا ، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب ، فقلت : هذا أمير المؤمنين ،