والجدار القبلي قبة لطيفة ، وحولها ثلاثة أخر تسمى مجاريد ، وجعلوا بين عقود هذه القباب وبين المنارة الرئيسية التي أعادوها بادهنجا للضوء والهواء ، وكان باب المنارة المذكورة من جهة المغرب ، فنقلوه إلى جهة الشام ، وأحدثوا أمامه أربع درجات بأرض المسجد ، وإلى جانبها خزانة ، وجعلوا موضع بابها الأول خلوة للخطيب يجلس بها إلى أن يخرج للخطبة يوم الجمعة ، وكان جلوسه في الأعصار الخالية هناك مع وجود باب المنارة به ، واتخذوا أيضا قبتين أمام باب السلام من داخله ، وبنوا الباب المذكور بالرخام الأبيض والأسود وزخرفوه زخرفة عظيمة ، وكذلك القباب المذكورة ، وخفضوا أرض مقدم المسجد حتى ساوت أرض المصلى الشريف ، واتخذوا له محرابا في محل الصندوق الذي كان هناك وزخرفوه بالرخام وكذا المحراب العثماني زخرفة عظيمة ، وأعادوا ترخيم الحجرة الشريفة وما حولها وترخيم الجدار القبلي ، وأزالوا البناء الذي عمله أهل المدينة في موضع المقصورة المستديرة بالحجرة الشريفة ، وأبدلوا ما يلي القبلة من ذلك بشبابيك من النحاس ، وبأعلاها شبكة من شريط النحاس كهيئة الزّرد ، وجعلوا لبقيتها مما يلي الشام مشبكا مشاجرا من الحديد وفاصلا عن يمين مثلث الحجرة ويساره فيه بابان كما سبق بسط كل ذلك في محله ، وعملوا المنبر ودكة المؤذنين من رخام ، وجعلوا فيما يلي باب الرحمة وباب النساء إلى مؤخر المسجد دكتين إحداهما بالمسقف الغربي والأخرى بالمسقف الشرقي ، وجعلوهما أخفض من الدكاك الشامية يسيرا ، وردموهما من أتربة المسجد ، واتخذوا فيما أعادوه من الجدار الشرقي خزائن للكتب وطاقات كبارا كالأبواب المقنطرة في أعالي الجدار وطاقات متسعة مستديرة أيضا تكثيرا للضوء ، ولم يكن بأعالي الجدار المذكور أولا غير شباك واحد ، وجعلوا نظير تلك الطاقات في الجدار القبلي أيضا ، وبنو الجدار من ابتداء تلك الطاقات بالآجر ، وسبب الاحتياج إلى ذلك أن أساطين مقدم المسجد الشريف كانت واصلة إلى سقفه كما سبق ، ولم يكن بذلك قناطر من العقود سوى ما يلي الرحبة من الرواقين اللذين جدّدهما الناصر كما سبق ، وكان الساقط من الأساطين بمقدم المسجد هو الأكثر لسقوط العقود التي كانت بين السقفين عليها وقت الحريق واشتعال النار المذيبة للرصاص الذي بين خرز الأساطين ، فاقتضى رأيهم إعادة تلك الأساطين قصيرة وتكميلها إلى السقف بعقود القناطر ، فأخذت القناطر حصة من الضوء ، فعوّضوا ذلك بتلك الطاقات ، وأكد عندهم فتحها أخذ متولي العمارة للدور التي في قبلة المسجد المعروفة بدور العشرة ليجعلها مدرسة للسلطان ، وعرض الجدار القبلي يسيرا منها ، وجعل فيها فتحات لشبابيك متعددة أيضا ، ثم صرف الله تعالى عزمه عن ذلك وسد فتحات الشبابيك المذكورة كلها بفصوص الأحجار كنسبة بناء الجدار ، وسدّ أيضا الطاقات التي بالجدار القبلي إلا ما يحاذي القبة التي على المحراب العثماني ، فجعل لها ولما بقي من الطاقات قمريات من الزجاج وشبكات من شريط النحاس.