باب الرحمة ، وأعادوا المنارة الرئيسية وسور المسجد المذكور ، وزادوا في عرضه يسيرا ، ووسعوا المحراب العثماني ، وسقفوا مقدم المسجد سقفا واحدا ، بعد أن قصروا أساطينه وجعلوا عليها عقودا من الآجر فوقها أخشاب السقف ، وكانت الأساطين المذكورة قبل ذلك واصلة إلى سقف المسجد كهيئة ما بقي من أساطينه في بقية المشرق والمغرب والشام ، وجعلوا على المحراب العثماني قبة على رءوس الأساطين ، بعد أن قرنوا إلى كل أسطوانة ثانية ، وجمعوا في بعضها بين خمس أساطين ؛ ليتأتى لهم عقد القبة المذكورة ، وأزالوا الأسطوانة التي كانت في محاذاة الأسطوانة التي إليها المصلّى النبوي بينها وبين المحراب العثماني ، وجعلوا على ما يحاذي الحجرة الشريفة وما حوله قبة عظيمة على دعائم بأرض المسجد وعقودا من الآجر بدلا عن القبة الزرقاء التي كانت قبل الحريق ، وكانت تلك على رءوس السواري كما سبق في الفصل السابع والعشرين ، وقدمنا هناك ما حصل من ضيق المسجد من جهة المشرق بسبب ابتناء بعض تلك الدعائم هناك ، فخرجوا بجدار المسجد الشرقي ـ أعني ما حاذى ذلك منه ـ بنحو عرض الجدار في البلاط الشرقي ، وأبقوا الباب المعروف بباب جبريل في محله.
ثم أحدثوا أسطوانا في جانب مثلث الحجرة ليشتدّ به العقد الذي عليه القبة في تلك الناحية ، وحفروا لذلك أساسا عظيما ظهر بسببه القبر المنسوب في أحد الأقوال لفاطمة الزهراء رضياللهعنها ، وزادوا دعامتين وعقدا إلى جانب الأسطوانتين اللتين في جهة الوجه الشريف ، ولم يبالوا بما حدث بسبب ذلك من الضيق في الموضع المواجه للوجه الشريف داخل المقصورة وغيره لخشيتهم من سقوط القبة المذكورة ، وكانوا قد وجدوا في جدار المنارة الرئيسية عند هدمها خزانة وضع الأقدمون بها أوراق المصاحف المحترقة في الحريق الأول وسدوا عليها ، فأخرجوا تلك الأوراق ووضعوها في أعلى القبة المذكورة عند ختمها ، فبدأ في القبة تشقّق ، فقيل لهم : إن ذلك بسبب وضع الأوراق المذكورة بها ؛ لأن الله تعالى يقول : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) [الحشر : ٢١] فأخرجوا تلك الأوراق منها ، فقضيت العجب من ذلك.
ومن الغريب أني كنت قد عزمت على التوجه إلى أرض مصر لزيارة والدتي وأهلي قبل الشروع في العمارة المذكورة ، فلم أحضر شيئا من ذلك ، ومن الله تعالى بالوصول إلى الوالدة والأهل ، فتوفيت الوالدة بعد قدومي بعشر ليال ، وكانت مدة غيبتي عن أهلي ستة عشر سنة ، ثم منّ الله تعالى بالعود إلى المدينة الشريفة بعد تعويض ما تدعو الحاجة إليه من الكتب المحترقة ، فوجدتهم قد عمروا القبة المذكورة ومقدم المسجد وعقدوا العقود المتصلة بهذه القبة من المشرق والشام ، وجعلوها قبوا بدل السقف ، واتخذوا فيما بين الحجرة الشريفة