فرجع عبد المطلب وبقي زمانا لا يدري بمن يتزوج حتى رأى في منامه بأن يتزوّج بفاطمة بنت عمرو بن عامر المخزومي فتزوجها وأمهرها مائة ناقة حمراء وحملت منه فولدت أبا طالب ثم حملت فولد الزبير.
وأقام على ذلك زمانا لا يزول النور عن وجهه. فلما كان يوم من الأيام رجع من قنصه في الظهيرة وهو عطشان يلهث فرأى في الحجر ماء معينا وشرب من ذلك الماء فوجد برده على قلبه ثم دخل تلك الساعة على فاطمة فواقعها فحملت بعبد الله بن عبد المطلب وهو أصغر ولده وأخو أبي طالب لأبيه وأمه فلما ولدته سر أبوه به سرورا شديدا فلم يبق أحد من احياء العرب ولا الشام إلا علم بمولده وذلك انّه كانت عنده جبّة صوف بيضاء مغموسة في دم يحيى بن زكريا عليهما السّلام وكانوا يجدون في الكتب (ان اذا رأيتم الجبّة البيضاء والدم يقطر فيها فاعلموا ان عبد الله بن عبد المطلب عليه السّلام قد ولد) فما زالوا يترقبون الجبّة على مرّ السنين حتى اذا صار عبد الله غلاما مترعرعا قدمت عليه الاحياء ليقتلوه فصرف الله كيدهم عنه فرجعوا خائبين لم يقدروا في أمره على حيلة.
وكان تجارة قريش يومئذ بأرض الشام فكان لا يقدم على احبار يهود الشام أحد من أهل الحرم وتهامة إلّا سألوه عن عبد الله بن عبد المطلب فيقول بخ بخ تركناه يزداد في قريش تلألأ وحسنا وجمالا وكمالا فيقول الأحبار : معاشر قريش ان ذلك النور ليس لعبد الله بن عبد المطلب ... ذلك النور لمحمّد نبي يخرج من ظهره في آخر الزمان يغيّر عبادة الأصنام ويزيل عبادة اللات والعزى ويبطلها.
فكانت قريش إذا سمعت بذلك يغشى عليها فإذا رجعت عادت في كفرها ثم تقول : القول كما يقولون وربّ الكعبة.
وعبد الله يومئذ أجمل أهل زمانه كلّهم قد شغف به نساؤهم حتى لقي في زمانه ما لقي يوسف الصدّيق عليه السّلام من امرأة العزيز في زمانه فقالت السحرة انّا إذا لم نغلب هذا الفتى على هذا النور الذي بين عينيه تخوفنا أن يسلب علمنا عن قليل وكهانتنا.
فكانت الكهنة تعرض أنفسها عليه مع المال الكثير فيأباهم ويقول : لا سبيل لي إلى كلامكم وكان يخبر أباه عبد المطلب بالعجائب. فقال له يوما : يا أبه اني خرجت من