وكيف يناسب ذلك تمام الحديث وشكاية ملك الموت منه؟!
وهل هذا الموجّه أعرف بحال موسى من ملك الموت؟!
ومنها : إنّ المراد صكّه بالحجّة وفقأ عين حجّته (١) ؛ ولا أعلم أيّ مباحثة وقعت بينهما ضلّ فيها ملك الموت؟!
وكيف يجتمع هذا مع قوله : « فردّ الله عليه عينه » (٢) ... إلى آخر الفقرات؟!
وأمّا ما ذكره من النقض بقصّة الألواح ؛ فهو وارد عليه أيضا ؛ لأنّ إلقاءها وكسرها إهانة لكتاب الله [ و ] كفر لا يقوله الخصم ، بل لو لم يقصد به الإهانة كان كبيرة كضرب النبيّ ، وهو يقول بعصمتهم عن الكبائر!
وأمّا ما حمله عليه ؛ فإن أراد به ما يعرض البشر من دون شعور ، فهو من أعظم النقص ، وتجويزه على الأنبياء رافع للثقة بهم ، وهل هذا إلّا كما ذمّ الله عليه الكافرين إذ قالوا : ( إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ) (٣)؟! فإنّ سلب الشعور إن لم يكن جنونا فهو بمنزلته ، ولو جاز ، لجاز الجنون عليهم ؛ لأنّه ممّا يعرض البشر أيضا!
وإن أراد به ما لا يسلب معه الشعور ، فتلك الأفعال كبيرة ، والأنبياء معصومون عنها ، بل إذا كان الإلقاء بقصد الإهانة يكون كفرا!
ومن الغريب أنّ الخصم بظاهر كلامه خصّ الحمل عند أصحابه بذلك ، مع أنّه في كلّ ما سبق من المباحث عيال على « المواقف » وشرحها ، وهما لم يذكرا هذا! وإنّما ذكرا وجوها أخر :
__________________
(١) فتح الباري ٦ / ٥٤٧.
(٢) انظر : صحيح مسلم ٧ / ١٠٠.
(٣) سورة الحجر ١٥ : ٦.