فوثق بهم مسلمة ، وتزيد في برّهم ، وأقبل ابن بيهس حتى نزل قرية الشّبعاء (١) وأصبح منها غاديا إلى مدينة دمشق ، وصاح الديدبان (٢) بالسلاح ، وخرج مسلمة ، وخرجت معه القيسية ، فقاتلوا ذلك اليوم مع مسلمة قتالا شديدا ، وكثرت الجراحات في الفريقين ، وانصرف ابن بيهس ، وقد ساء ظنه بقيس ، [فكتب إليهم :](٣)
سيكفي الله وهو أعزّ كاف |
|
أمير المؤمنين ذوي الخلاف |
وكلّ مقدّر في اللوح يأتي |
|
وكلّ ضبابة فإلى انكشاف |
وما أنا بالفقير إلى نصير |
|
سوى الرّحمن والأسل العجاف |
وعندي في الحوادث صبر نفس |
|
على المكروه أيام الثّقاف |
وعن حقّ أدافع أهل جور |
|
وشتى بين قصد وانحراف |
فهابت القيسية على أنفسها ، فدخلوا على مسلمة فكلّموه على وجه النصيحة له ، وقد أضمروا الغدر به ، فقالوا له : نرى أن نخرج إلى ابن بيهس فنسأله الرجوع عنا ، وحقن الدماء بيننا ، فإن فعل وإلّا ثبّطنا أصحابنا عنه ، ومن أطاعنا ، واستملنا من قدرنا عليه ، فقال لهم : الصواب ما رأيتم ، وطمع أن يفوا له ، ولم يكن تهيأ لهم ما أرادوا بمدينة دمشق ، فخرجوا إلى ابن بيهس فباتوا عنده وأحكموا الأمر معه ، وصبّح دمشق بالخيل والرّجّالة والسلالم ، ونشب القتال ، وصعد أصحاب ابن بيهس السور بناحية باب كيسان ، فلم يشعر بهم أصحاب مسلمة إلّا وهم معهم في مدينة دمشق ، فأجفلوا هربا إلى مسلمة ، فدعا بأبي العميطر ، ففكّ عنه الحديد ولبسا ثياب النساء ، وخرجا مع الحرم من الخضراء ، وخرجا من باب الجابية حتى أتوا المزّة ، ودخل ابن بيهس مدينة دمشق يوم الثلاثاء لعشر خلون من المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة ، وغلب عليها فلم يزل يحارب أهل المزّة وداريا وبيت لهيا إلى أن صالحه أهل بيت لهيا ، وأقام على حرب أهل المزّة وداريا وهو مقيم بدمشق أميرا متغلبا عليها إلى أن قدم عبد الله بن طاهر دمشق سنة ثمان ومائتين ، وخرج إلى مصر ، ورجع إلى دمشق سنة عشر ومائتين ، وحمل ابن بيهس معه إلى العراق ، ومات بها ، ولم يرجع إلى دمشق.
قال : ونا محمّد بن عون ، نا محمّد بن أحمد بن أبي خراسان قال : لما دخل مسلمة بن
__________________
(١) الشبعاء : من قرى دمشق من إقليم بيت الآبار (معجم البلدان).
(٢) الديدبان : الرقيب والطليعة (القاموس المحيط).
(٣) الزيادة عن د ، و «ز» ، وم.