أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو طاهر المخلّص ، أنا أبو بكر بن سيف ، أنا السري بن يحيى ، أنا شعيب بن إبراهيم ، أنا سيف بن عمر ، عن أبي عثمان ، وأبي حارثة ، والربيع ، بإسنادهم ، قالوا :
وكان ذلك الطاعون موتان لم ير مثله طمع له العدو في المسلمين ، وتحرقت له قلوب المسلمين ، كثر موته وطال مكثه ، مكث أشهرا حتى تكلم في ذلك (١) الناس ، فاختلفوا ، فأمر معاذ بالصبر حتى ينجلي ، وأمر عمرو بن عبسة بالتنحي حتى ينجلي ، وقال الذين يرون التنحي : أيها الناس ، هذا رجز ، هذا الطوفان ، الذي (٢) بعث على بني إسرائيل وبلغ ذلك معاذا فأقبل ، والذين يرون الصبر فتكلموا قال معاذ : يا أيها الناس ، لم تجعلون دعوة نبيّكم ورحمة ربّكم عذابا؟ وتزعمون أن الطاعون هو الطوفان الذي بعث على بني إسرائيل؟ وإنّ الطاعون لرحمة من ربكم رحمكم بها ، ودعوة من نبيّكم لكم ، وكفت (٣) الصالحين قبلكم ، اللهمّ أدخل على آل معاذ منه نصيبهم الأوفى ، فطعن عبد الرّحمن بن معاذ ، وامرأته ، ودخل عليه معاذ يعوده ، فقال : يا بني كيف تجدك؟ فقال : يا أبت (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) ، قال : يا بني (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) ، فمات [الفتى](٤) وامرأته ، وطعنت امرأتان لمعاذ فماتتا في يوم واحد ، فأقرع بينهما ، فقدم إحداهما قبل صاحبتها في القبر ، وطعن خادمه ، وأم ولده فتوفيتا فدفنهما حتى إذا لم يبق غيره طعن في كفّه بثيرة صغيرة كأنها عدسة ، فجعل ينظر إليها ويقول : إنك لصغيرة ، وإنّ الله ليجعل في الصغير الخير الكثير ، ثم يقبّلها ويقول : ما أحبّ أنّ لي بك حمر النعم ، فلما نزل به الموت فجعل يغيب به ثم يغمى عليه ثم ينفس عنه فيقول : غمّ غمك ، فوعزتك إنّك لتعلم أنّي أحبك ، ثم يقول : جرّعني ما أردت (٥).
قال : ونا سيف ، عن داود بن أبي هند ، عن شهر بن حوشب قال :
قام معاذ بن جبل في ذلك الطاعون فقال : يا أيها الناس ، إنّ هذا الطاعون رحمة ربكم ، ودعوة نبيكم ، وذهاب الصالحين قبلكم ، اللهمّ أدخل على آل معاذ نصيبهم الأوفى ، ثم
__________________
(١) قوله : «في ذلك» استدركت على هامش «ز».
(٢) بالأصل : «الطوفان فإن الذي» والمثبت عن د ، وم ، و «ز».
(٣) الكفت : الجمع والضم ، كما في النهاية.
(٤) سقطت من الأصل ، واستدركت عن د ، وم ، و «ز».
(٥) حلية الأولياء ١ / ٢٤٠.