لما استعمل عبد الله بن مصعب على اليمن قال لي مصعب بن عبد الله : امض معنا إلى صنعاء ، فقلت له : لم أعلم أهلي ذلك ، فقال : ترسل رسولا ، وتكتب معه بحاجتك ، وتمضي معنا ، وتكفاهم ، فقلت له : لا بدّ من مطالعتهم ، ثم ألحقكم ، فهو حين قلت هذه القصيدة ، ثم قدمت عليهم صنعاء ، فأنزلني عبد الله بن مصعب معه في دار الإمارة ، وأجرى عليّ خمسين دينارا في كل شهر ، وأكرمني ، ثم عرضت فشكوت ذلك إليه ، واستأذنته في الانصراف ، فأذن لي ، وأعطاني خمس مائة دينار ، وكساني كسوة فاخرة من عصب اليمن ، وأمرني فدخلت على نجائبه فاخترت منها نجيبا (١) مهريا (٢) ، وانصرفت سالما غانما إلى أهلي.
فقال ابن أبي صبح يمدحه :
إذا رفعت أجراسه السّتر واستوى |
|
على ظهر مصفوف عليه النمارق |
بدا ملك في صورة البدر طالعا |
|
فيا لك حسنا زيّنته الخلائق |
خلائق أحرار الملوك ونورها |
|
يلوح عليه نظمها المتناسق |
فتى لم تفته خطّة تجمع التّقى |
|
إلى المجد إلّا ضمّها فهو رائق |
فنحن بحمد الله في فضل مصعب |
|
لنا صائح من ذي تلاه وعابق |
سيبلغ عني مصعبا غير باعد |
|
مدائح تذروها الرياح الزّواعق |
جزى بالإله إن شكرتها |
|
شكرت عظيما لم تصفه المناطق |
ألم تلقني ذا خلة فاصطفيتني (٣) |
|
وأطلقت مالي وهو في الرّهن عالق |
وأنقذتني من لجّة الدّين بعد ما |
|
غرقت ، وعاشر لجّة الدّين غارق |
وأغنيتني عمّن سواك وأنبتت |
|
رياحك ريشي والتجا (٤) الدّوافق |
وأسبلت إسبال الربيع وأخصبت |
|
رياضك للجادين والله رازق |
فأقسم لا أحصي الذي فيك مادح |
|
بمدح ولكني خروق مخارق |
ولا خفت إلا الكاشحين ملمّة |
|
عليك ولكني بذي العرش واثق |
__________________
(١) النجيب : الكريم الحسيب ، يقال : ناقة نجيب ونجيبة (القاموس).
(٢) الإبل المهرية هي التي تنسب إلى مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ، كذا في تاج العروس بتحقيقنا : مهر.
(٣) في «ز» : فاصطنعتني.
(٤) كذا رسمها.