لمصعب : أتراني كنت أحب الأشتر بعد هذه الضربة ضربنيها يوم الجمل؟ وقال مصعب : يا أمير المؤمنين ، سمّ للوفد ما بدا لك من الجائزة ، وأنا أعطيهم إياه من العراق ، قال : لا (١) والله ، ولا درهما ، ثم خطب عبد الله بن الزبير ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : يا أهل العراق ، أتيتمونا أوباشا من كل جهة ، والله لو كانت الرجال تصرف لصرفناكم صرف الذهب ، والله لوددت أن لي بكلّ رجلين منكم رجلا من أهل الشام ، فقام إليه أبو حاضر الأسدي وكان قاضي الجماعة بالبصرة ، فقال : يا أمير المؤمنين إنّ لنا ولك مثلا قد مضى هو ما قال الأعشى (٢) :
علّقتها عرضا ، وعلّقت رجلا |
|
غيري ، وعلّق أخرى غيرها الرجل |
علقناك وعلقت أهل الشام ، وعلق أهل الشام إلى مروان فما عسينا أن نصنع.
قال الشعبي : فما سمعت جوابا أحسن منه.
ثم انصرف مصعب والوفد إلى الكوفة ، ثم قدم مصعب البصرة ، فجمع مالا ووفد الثانية على عبد الله بن الزبير بمال العراق ، فعزله عن البصرة وولاها ابنه حمزة بن عبد الله ، وكان شابا تائها ، فأقام مصعب عند عبد الله بن الزبير ، ومضى حمزة إلى البصرة ، فمنع الناس العطاء ، وأمر بالمال يحمل إلى ابن الزبير ، فمنعه من ذلك مالك بن مسمع ووجوه أهل البصرة ، وبخسوا به فخرج من البصرة ، فبلغ ذلك ابن الزبير ، فولى مصعبا البصرة ، وأمره أن يتوجه إلى العراق ، قال الشعبي : ما رأيت أمير فرقة كان أشبه بأمر الجماعة من مصعب بن الزبير ، لم يزل مصعب أحب أمراء العراق إليهم ، كان يعطيهم عطاءين في السنة ، عطاء للشتاء ، وعطاء للصيف ، وكان يشتد في موضع الشدة ، ويلين في موضع اللّين ، وكان محكما لأمره ، قويا على شأنه.
قالوا : وكان عبد الملك بن مروان يكتب إلى شيعته بالعراق في اغتيال مصعب ، وكتب إلى شيعته بالبصرة يأمرهم أن يخرجوا على مصعب ، وأخبرهم أنه راكب إليهم بألف من أهل الشام ولم يطمع في ذلك بالكوفة ، ومصعب بها ، وكان يخرج كلّ سنة حتى يأتي بطنان حبيب وهي من قنّسرين ، فيعسكر بها وهي أقصى سلطانه ، ويخرج مصعب بن الزبير حتى ينزل باجميرا من أرض الموصل فيعسكر بها ، وهي أقصى سلطانه فقال أبو الجهم الكناني :
__________________
(١) قوله : «إياه من العراق ، قال : لا» مكانه بياض في م.
(٢) من قصيدة في ديوانه ص ١٤٥ ط. صادر ـ بيروت.