ما رسمه ، فقد شاع
شعر بشار بن برد فى عهد المهدى بما فيه من مجون وعبث وغزل مكشوف حتى ضج رجال بغداد
من شعره ، وشكوا إلى المهدى لأنهم خافوا على نسائهم وبناتهم ، فتدخل المهدى ونهى
بشار عن الغزل بالنساء .
وكان الهادى يستمع
إلى الغناء ويجزل عليه العطاء . أما الرشيد فقد شغف بمجالس الطرب والغناء ، ولم يجتمع على
باب خليفة من العلماء والشعراء والفقهاء والقراء والقضاة والكتاب والندماء
والمغنيين ما اجتمع على باب الرشيد ، وكان يصل كل واحد منهم بأجزل صلة ، ويرفعه
إلا أعلى مرتبه ، وكان فاضلا شاعرا راوية للأخبار والآثار والأشعار وكثيرا ما يتلثم فيحضر مجالس العلماء وهو لا يعرف ، ولقد
قسم الأيام والليالى قليلة للوزراء يذاكرهم أمور الناس ، ويشاورهم فى أمور الدولة
الداخلية والخارجية ، وليلة الكتاب يتفقد أعمالهم ، ويرتب الناس ما ظهر من صلاح
أحوال المسلمين وليلة للقواد أمراء الأجناد يذاكرهم أمر الأمصار ويسألهم عن
الاخبار ، ويذاكرهم العلم ويدارسهم الفقه ـ وكان من أعلمهم ـ وليلة للقراء والعباد
يتصفح وجوههم. ويتعظ برؤيتهم ، ويستمع لمواعظهم ، ويرفق قلبه لكلامهم ، وليلة لاهل
بيته يأنس بهم وباشرهم ، وليلة يخلو فيها بنفسه لا يعلم أحد قرب أو بعد ما يصنع ،
ولا يشك أحد أنه يخلو فيها بربه يسأله خلاص نفسه وفكاك رقه .
وجعل الرشيد
للمغنين مراتب وطبقات ، فكان إبراهيم الموصلى وابن جامع وزلزل فى الطبقة الأولى ،
والطبقة الثانية سليم بن سلام وعمرو الغزال ، والطبقة الثالثة أصحاب المعازف
والطنايبر وعلى قدر ذلك كانت تخرج جوائزهم وصلاتهم ، وإذا أجاد أحد المغنين
والموسيقيين الأداء أمر الخليفة بترقيته إلى المرتبة التى تعلو مرتبته فرقى الرشيد
برصوما الزامر من الطبقة الثانية إلى الطبقة الأولى بعد أن أطرب الرشيد .
__________________