قلنا إن الرقيق كثر فى بغداد حتى كانت قصور الخلفاء والأمراء ورجال الدولة تضم الألوف منهم ، ولقد رغب الأسلام فى عتق العبيد. لذلك أقبل الناس على ذلك تقربا إلى الله ، فكانت ريطة ابنة أبى العباس تشترى رقيقا للعتق (١) وأوصى الخليفة المعتصم قبل وفاته بعتق ثمانية آلاف من مماليكه (٢) بل كان العبد يستطيع أن يشترى حريته ، بدفع قدر من المال.
أثر الجوارى تأثيرا كبيرا فى ازدهار الفنون الجميلة فى بغداد ، لأن الناس حرصوا على أن تجمع الجوارى بين الجمال الخلقى والجمال الفنى ، فأخذوا يعلمون الجوارى فنون الرقص واللبس إلي غير ذلك من ضروب الفن ، وسرعان ما لقن المغنون جواريهم ألحانهم ، وطريقة غنائهم (٣).
وظهرت جوار أتقن كنابة الأشعار الرقيقة والعبارات اللطيفة تطريزا على الثياب ، وبعضهن أحب الأزهار وتغنى بها فقلدهن فيها الناس (٤).
وكان للجوارى فضل آخر ، إذ أنهم ـ كما رأينا ـ من بلاد مختلفة روميات وتركيات وهنديات وصقليات وغير ذلك ، وحاولن إدخال عاداتهن ، وأدى ذلك إلى انقسام الناس إلى طائفتين ، طائفة تتعصب للقديم ، وأخرى تفضل الجديد الذى أدخل عليه نغمات رومية أو تركية أو هندية أو نحو ذلك (٥).
وقد تأثر الإنتاج الأدبى بكثرة الرقيق ، فألف بعض الكتاب كتبا فى تجارة الرقيق ، وذكر أوصاف الرقيق من كل جنس وحاول بعضهم وضع قواعد للجمال ، كما تكلم بعضهم فى الألوان وحسنها.
__________________
(١) ابن طباطبا : الفخرى فى الآداب السلطانية ص ٢١١.
(٢) متز : الحضارة الإسلامية ج ١ ص ٢٢٣.
(٣) أحمد أمين : ضحى الإسلام ج ١ ص ٩٤.
(٤) المصدر السابق ذكره.
(٥) محمد جمال سرور : تاريخ الحضارة الإسلامية فى الشرق ص ١٧٠.