هذا الرجل نفوذه فى الرفع من شأن العرب وإبعاد الضرو الأذى عنهم فالأفشين ـ قائد جيش المعتصم ـ كان يكره العرب ويقول : إذا ظفرت بالعرب شدقت رءوس عظمائهم بالدبوس وظهرت نواياه الانتقامية ضد أبى دلف ـ أحد القواد العرب سيد قومه كريما شجاعا شاعرا (١) وهم الأفشين بقتله. فأسرع ابن أبى دؤاد إلى الأفشين ، وأنقذ الزعيم العربى (٢) وشجع هذا أهل العلم والأدب فالتفوا حوله وأغدق عليهم ، ووقف ببابه الشعراء مثل أبى تمام ، وقرب إليه الجاحظ.
ولم يستسلم العرب لميل العتصم إلى الترك فنسمع عن كثير من البارزين منهم يطلبون من المعتصم رعاية أصحاب الحاجات من العرب الهاشميين والأنصار (٣).
ومهما يكن من أمر فقد كانت الحياة الأجتماعية فى بغداد عربية فى روحها وساهم العرب بدور رئيسى فى توجيهها ، فسادت تقاليد العرب وعاداتهم وأساليب حياتهم على نمط المعيشة في بغداد ، فالدين الإسلامى الذى حمل لواءه العرب.
وبشروا به فى العراق ، كما بشروا به فى غير العراق ، كان من الطبيعى أن يحدد الأسس الأجتماعية لحياة الناس ، كما هو الحال فى المعاملات الشخصية والقضاء واتخاذ الجوارى والغلمان وبناء المساجد ، وغير ذلك من الحدود التى رسمها الشرع ، وظهر أثر الدين فى تعدد المذاهب الفقهية ، فقد شهدت بغداد أئمة المذاهب الرئيسية ، كما أن اللغة العربية ـ لغة القرآن ـ واللغة الرسمية للدولة ـ لها أثرها فى تأكيد مركز العرب ، ونبغ من العرب فى بغداد فى العصر العباسى الأول كثيرون فى علوم الدين واللغة. على كل حال ظل مركز العرب مرموقا فى بغداد بصفة عامة فى العصر العباسى الأول ، فمنهم الخليفة وأمراء البيت الحاكم وسائر بنى هاشم ، والعرب لهم مركزهم أمام العناصر الأخرى فهم الذين مصروا الأمصار ، ويذلوا أموالهم ودماءهم فى سبيل رفع رأية الإسلام.
__________________
(١) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٣٧٢.
(٢) التنوخى : الفرج بعد الشدة ج ٢ ص ٦٨.
(٣) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٣٧٠.