وجوده ، وقالوا لا يمكن أن تكون كتب جابر وما تحويه من معلومات قيمة من وضع رجل عاش فى القرن الثانى الهجرى (١).
والحق أن جابر كيمائى العرب الأول ، فهو أول من بحث فى علم الكيمياء ولقد أصاب من ارتفاع المكانة وفخامة الثراء وبعد الصيت ما جعله موضع التقدير وقال عنه القفطى (٢) ، كان متقدما فى العلوم الطبيعية بارعا منها فى صناعة الكيمياء ، وله فيها تآليف كثيرة ، ومصنفات مشهورة ، وكان لا يقبل تعليم أحد الكيمياء إلا إذا اطمأن إليه اطمئنانا كاملا على مقدرته العلمية وحسن استعداده وعلى حد قوله : أعلم أن من المفترض علينا كتمان هذا العلم وتحريم إذاعته لغير المستحق من بنى نوعنا ، وألا نكتمه عن أهله (٣) لأن وضع الأشياء فى مجالها من الأمور الواجبة ، ولأن فى إذاعته خراب العالم وفى كتمانه تضيعا لهم ، ويذكرون أن الكيمياء عناء الدهر (٤).
وينسب إلى جابر بن حيان عدد كبيرا جدا من الكتب والرسائل يدور كثير منها حول الكيمياء والوسائل التى يستطيع بها الكيمياوى أن يبدل طبائع الأشياء تبديلا يحولها بعضها إلى بعض ، وذلك أما بحذف بعض خصائصها أو بإضافة خصائص جديدة إليها ، لانه إن كانت الأشياء كلها ترتد إلى أصل واحد ، كان تنوعها راجعا إلى اختلاط فى نسب المقادير التى دخلت فى تكوينها ، فليس الذهب ـ مثلا ـ يختلف عن الفضة فى الأساس والجوهر ، بل هما مختلفان فى نسبة المزج ، فإما زيادة هنا أو نقصان هناك ، وواجب الكيميائى تحليل كل منهما تحليلا يهديه إلى تلك النسبة ، كما هى قائمة فى كل منهما (٥).
وكان ابن حيان يرى أن العالم فى استطاعته أن يجاوز الطبيعة إلى ما وراءها
__________________
(١) دائرة المعارف الإسلامية (جابر بن حيان).
(٢) عبد الحلم منتصر ، تاريخ العلم عند العرب ص ١٦٢ ـ ١٦٤.
(٣) القفطى : إخبار العلماء ص ٢٢٠.
(٤) زكى نجيب محمود : جابر بن حيان ص ٤٥ ـ ٤٦.
(٥) دائرة المعارف الإسلامية.