سبقهم لأن السابقين لهم كانوا يعتمدون على الحديث فقط فى كتاباتهم أما هؤلاء .. الدين سنشير إليهم ـ فقد تكون عندهم مادة غزيرة ترجع إلى اختلاط العرب بالنصارى واليهود الذين دخلوا فى الإسلام ، فضلا عن ظهور طبقة القصاص الذين يحكون سير الرسول وأبطال المسلمين ، وبذلك لم يعد الحديث هو المصدر الوحيد للتاريخ بل تنوعت وتعددت مصادرة ، وكان على مؤرخى بغداد أن يضبطوا الحوادث التاريخية ، ويحسنوا عرضها.
ومن أشهر المؤرخين محمد بن إسحاق بن يسار ، وهو من أصل فارسى نشأ فى المدينة ، وأخذ الحديث عن علمائها ، وعنى بصفة خاصة بجمع الأحاديث التى تتناول سير الرسول ومغازيه ، قال الشافعى عنه : من أراد أن يتبحر فى المغازى فهو عيال على ابن إسحاق (١). وبلغ من ثقة الخليفة المنصور به أن عهد إليه بتصنيف كتاب فى التاريخ لابنه المهدى يبدأ منذ بداية الخليفة إلى يومه ، وقام ابن إسحاق بهذا العمل الجليل ، وقدم الكتاب للمنصور مرفقا بموجز له (٢).
اعتمد ابن إسحاق فى كتابه المغازى على الأحاديث النبوية التى أخذها من الرواة فى مصر والمدينة المنورة ، والأخبار التى يرددها الثقاة ، وترجع أهمية هذا الكتاب فى أن عبد الملك بن هشام اعتمد عليه فى كتابه عن السيرة ، لذلك يمكن الإلمام بكتاب ابن إسحاق بصورة مختصرة فى كتاب ابن هشام ، وأعتمد على ابن إسحاق كذلك كل من تكلم فى السير والمغازى «فعليه اعتماده وإليه إسناده» (٣).
ينقسم كتاب ابن إسحاق فى المغازى إلى ثلاثة أقسام : المبتدأ والمبعث والمغازى ، والمبتدأ يشمل تاريخ العرب قبل الإسلام وأعتمد على القصص والأساطير ، وخصوصا ما رواه العلماء اليهود والنصارى ، وأشار إلى قبائل العرب البائدة مثل عاد وثمود والرسل التى بعثت إلى تلك القبائل ، ونقل عن التوراة
__________________
(١) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ٣ ص ٤٠٥.
(٢) الخطيب البغدادى : تاريخ بغداد ج ١ ص ٢٧١.
(٣) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ٣ ص ٤٠٥. ،