اهتم العلماء فى
مختلف أنحاء الدولة الإسلامية بالرحيل إلى المدن الكبرى للاتصال بالعلماء
المشهورين للاستفادة من علمهم وفضلهم ، والسبب فى ذلك «أن الناس يأخذون معارفهم
تارة علما وتعليما وإلقاء ، وتارة محاكاة وتلقينا بالمباشرة ، فعلى قدر كثرة
الشيوخ يكون حصول الملكات ورسوخها .. وهذا لمن يسر الله عليه طرق العلم والهداية
فالرحلة لا بد منها فى طلب العلم ، واكتساب الفوائد» .
وكان الخلفاء
يشجعون أهل الذمة المثقفين على الرحيل إلى الدولة البيزنطية لقراءة كتب الحكمة
وترجمتها .
أما الخلفاء
والأمراء وكبار رجال الدولة فكانوا يستعينون بمعلمين لتعليم أبنائهم فى قصورهم ،
وقد حدد الرشيد لمؤدب ولده الأمين المنهج الذى يجب أن يعلمه وينشئ عليه ابنه
الأمين ، فقال : أقرئه القرآن ، وعرفه الآثار ، ورواه الأشعار ، وعلمه السنن ،
وبصره مواقع الكلام وبدنه ، وامتعه من الضحك إلا فى وقته ، وخذه بتعظيم مشايخ بنى
هاشم ، إذا دخلوا عليه ، ورفع مجالس القواد إذا حضروا مجلسه ، ولا تمرن عليك ساعة
إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه ، فتميت قلبه ولا تمعن فى
مسامحته فيستحلى الفراغ ، وعليك بالرفق به ، فإن لم يأت بالرفق فخذه بالغلظة وكان الفراء ـ وهو من أعلم الكوفيين بالنحو واللغة وفنون
الأدب ـ يؤدب ولدى المأمون ، وأجزل صلته على حسن تأديبه لهما .
انتشرت المجالس
العلمية فى بغداد التى تضم العلماء فى الدور والقصور والمساجد ، ويتناظرون فيها فى
فروع العلم المختلفة ، وقد حرص الخلفاء على عقد
__________________