أي يداومون ويواظبون ، (عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) ، قال قتادة والضحاك وابن زيد : الشرك ، وهو الظاهر. وقيل : ما تضمنه قوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) (١) الآية من التكذيب بالبعث. ويبعده : (وَكانُوا يَقُولُونَ) ، فإنه معطوف على ما قبله ، والعطف يقتضي التغاير ، فالحنث العظيم : الشرك. فقولهم : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ، أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) : تقدم الكلام عليه في : والصافات ، وكرر الزمخشري هنا وهمه فقال : فإن قلت : كيف حسن العطف على المضمر في (لَمَبْعُوثُونَ) من غير تأكيد بنحن؟ قلت : حسن للفاصل الذي هو الهمزة ، كما حسن في قوله : (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) (٢) ، لفصل لا المؤكدة للنفي. انتهى. ورددنا عليه هنا وهناك إلى مذهب الجماعة في أنهم لا يقدرون بين همزة الاستفهام وحرف العطف فعلا في نحو : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) (٣) ، ولا اسما في نحو : (أَوَآباؤُنَا) ، بل الواو والفاء لعطف ما بعدهما على ما قبلهما ، والهمزة في التقدير متأخرة عن حرف العطف. لكنه لما كان الاستفهام له صدر الكلام قدمت.
ولما ذكر تعالى استفهامهم عن البعث على طريق الاستبعاد والإنكار ، أمر نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يخبرهم ببعث العالم ، أولهم وآخرهم ، للحساب ، وبما يصل إليه المكذبون للبعث من العذاب. والميقات : ما وقت به الشيء ، أي حد ، أي إلى ما وقتت به الدنيا من يوم معلوم ، والإضافة بمعنى من ، كخاتم حديد. (ثُمَّ إِنَّكُمْ) : خطاب لكفار قريش ، (أَيُّهَا الضَّالُّونَ) عن الهدى ، (الْمُكَذِّبُونَ) للبعث. وخطاب أيضا لمن جرى مجراهم في ذلك. (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ) : من الأولى لابتداء الغاية أو للتبعيض ؛ والثانية ، إن كان من زقوم بدلا ، فمن تحتمل الوجهين ، وإن لم تكن بدلا ، فهي لبيان الجنس ، أي من شجر الذي هو زقوم. وقرأ الجمهور : من شجر ؛ وعبد الله : من شجرة. (فَمالِؤُنَ مِنْهَا) : الضمير في منها عائد على شجر ، إذ هو اسم جنس يؤنث ويذكر ، وعلى قراءة عبد الله ، فهو واضح.
(فَشارِبُونَ عَلَيْهِ) ، قال الزمخشري : ذكر على لفظ الشجر ، كما أنث على المعنى في منها. قال : ومن قرأ : من شجرة من زقوم ، فقد جعل الضميرين للشجرة ، وإنما ذكر الثاني على تأويل الزقوم لأنه يفسرها ، وهي في معناه. وقال ابن عطية : والضمير في عليه عائد على المأكول ، أو على الأكل. انتهى. فلم يجعله عائدا على شجر. وقرأ نافع
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٠٩ ، وسورة النحل : ١٦ / ٣٨ ، وسورة النور : ٢٤ / ٥٣ ، وسورة فاطر : ٣٥ / ٤٢.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ١٤٨.
(٣) سورة يوسف : ١٢ / ١٠٩ ، وسورة الحج : ٢٢ / ٤٦ ، وسورة غافر : ٤٠ / ٤٢ ، وسورة محمد : ٤٧ / ١٠.