على ذلك أصحابنا ، ولهم علة في منع ذلك ذكروها في علم النحو ، وقالوا في قوله : حين ليس مجير ، أي في الدنيا ، فحذف الخبر أنه ضرورة ، والبينة : الحجة الجليلة.
وقرأ الجمهور : (رَسُولٌ) بالرفع بدلا من (الْبَيِّنَةُ) ، وأبيّ وعبد الله : بالنصب حالا من البينة. (يَتْلُوا صُحُفاً) : أي قراطيس ، (مُطَهَّرَةً) من الباطل. (فِيها كُتُبٌ) : مكتوبات ، (قَيِّمَةٌ) : مستقيمة ناطقة بالحق. (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) : أي من المشركين ، وانفصل بعضهم من بعض فقال : كل ما يدل عنده على صحة قوله. (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) : وكان يقتضي مجيء البينة أن يجتمعوا على اتباعها. وقال الزمخشري : كانوا يعدون اجتماع الكلمة والاتفاق على الحق إذا جاءهم الرسول ، ثم ما فرقهم عن الحق ولا أقرهم على الكفر إلا مجيء الرسول صلىاللهعليهوسلم. وقال أيضا : أفرد أهل الكتاب ، يعني في قوله : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) بعد جمعهم والمشركين ، قيل : لأنهم كانوا على علم به لوجوده في كتبهم ، فإذا وصفوا بالتفرق عنه ، كان من لا كتاب له أدخل في هذا الوصف. والمراد بتفرقهم : تفرقهم عن الحق ، أو تفرقهم فرقا ، فمنهم من آمن ، ومنهم من أنكر. وقال : ليس به ومنهم من عرف وعاند. وقال ابن عطية : ذكر تعالى مذمة من لم يؤمن من أهل الكتاب من أنهم لم يتفرقوا في أمر محمد صلىاللهعليهوسلم إلا من بعد ما رأوا الآيات الواضحة ، وكانوا من قبل متفقين على نبوته وصفته ، فلما جاء من العرب حسدوه ، انتهى.
وقرأ الجمهور : (مُخْلِصِينَ) بكسر اللام ، والدين منصوب به ؛ والحسن : بفتحها ، أي يخلصون هم أنفسهم في نياتهم. وانتصب (الدِّينَ) ، إما على المصدر من (لِيَعْبُدُوا) ، أي ليدينوا الله بالعبادة الدين ، وإما على إسقاط في ، أي في الدين ، والمعنى : وما أمروا ، أي في كتابيهما ، بما أمروا به إلا ليعبدوا. (حُنَفاءَ) : أي مستقيمي الطريقة. وقال محمد بن الأشعب الطالقاني : القيمة هنا : الكتب التي جرى ذكرها ، كأنه لما تقدم لفظ قيمة نكرة ، كانت الألف واللام في القيمة للعهد ، كقوله تعالى : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً ، فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) (١). وقرأ عبد الله : وذلك الدين القيمة ، فالهاء في هذه القراءة للمبالغة ، أو أنث ، على أن عنى بالدين الملة ، كقوله : ما هذه الصوت؟ يريد : ما هذه الصيحة : وذكر تعالى مقر الأشقياء وجزاء السعداء ، والبرية : جميع الخلق.
__________________
(١) سورة المزمل : ٧٣ / ١٥ ـ ١٦.