الكافر. وقتل دعاء عليه ، والقتل أعظم شدائد الدنيا. (ما أَكْفَرَهُ) ، الظاهر أنه تعجب من إفراط كفره ، والتعجب بالنسبة للمخلوقين ، إذ هو مستحيل في حق الله تعالى ، أي هو ممن يقال فيه ما أكفره. وقيل : ما استفهام توقيف ، أي : أي شيء أكفره؟ أي جعله كافرا ، بمعنى لأي شيء يسوغ له أن يكفر.
(مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) : استفهام على معنى التقرير على حقارة ما خلق منه. ثم بين ذلك الشيء الذي خلق منه فقال : (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) : أي فهيأه لما يصلح له. وقال ابن عباس : أي في بطن أمه ، وعنه قدر أعضاءه ، وحسنا ودميما وقصيرا وطويلا وشقيا وسعيدا. وقيل : من حال إلى حال ، نطفة ثم علقة ، إلى أن تم خلقه. (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) : أي ثم يسر السبيل ، أي سهل. قال ابن عباس وقتادة وأبو صالح والسدي : سبيل النظر القويم المؤدي إلى الإيمان ، وتيسيره له هو هبة العقل. وقال مجاهد والحسن وعطاء وابن عباس في رواية أبي صالح عنه : السبيل العام اسم الجنس في هدى وضلال ، أي يسر قوما لهذا ، كقوله : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) (١) الآية ، وقوله تعالى : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (٢) ؛ وعن ابن عباس : يسره للخروج من بطن أمه. (ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ) : أي جعل له قبرا صيانة لجسده أن يأكله الطير والسباع. قبره : ذفنه ، وأقبره : صيره بحيث يقبر وجعل له قبرا ، والقابر : الدافن بيده. قال الأعشى :
لو أسندت ميتا إلى قبرها |
|
عاش ولم ينقل إلى قابر |
(ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) : أي إذا أراد إنشاره أنشره ، والمعنى : إذا بلغ الوقت الذي قد شاءه الله ، وهو يوم القيامة. وفي كتاب اللوامح شعيب بن الحبحاب : شاء نشره ، بغير همز قبل النون ، وهما لغتان في الأحياء ؛ وفي كتاب ابن عطية : وقرأ شعيب بن أبي حمزة : شاء نشره. (كَلَّا) : ردع للإنسان عن ما هو فيه من الكفر والطغيان. (لَمَّا يَقْضِ) : يفي من أول مدة تكليفه إلى حين إقباره ، (ما أَمَرَهُ) به الله تعالى ، فالضمير في يقض للإنسان. وقال ابن فورك : لله تعالى ، أي لم يقض الله لهذا الكافر ما أمره به من الإيمان ، بل أمره بما لم يقض له. ولما عدّد تعالى نعمه في نفس الإنسان ، ذكر النعم فيما به قوام حياته ، وأمره بالنظر إلى طعامه وكيفيات الأحوال التي اعتورت على طعامه حتى صار بصدد أن يطعم. والظاهر أن الطعام هو المطعوم ، وكيف ييسره الله تعالى بهذه الوسائط المذكورة من صب
__________________
(١) سورة الإنسان : ٧٦ / ٣.
(٢) سورة البلد : ٩٠ / ١٠.