هذه السورة مكية. وروي أنه صلىاللهعليهوسلم لما بعث ، جعل المشركون يتساءلون بينهم فيقولون : ما الذي أتى به؟ ويتجادلون فيما بعث به ، فنزلت. ومناسبتها لما ذكر قبلها ظاهرة. لما ذكر (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (١) ، أي بعد الحديث الذي هو القرآن ، وكانوا يتجادلون فيه ويسائلون عنه ، قال : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ). وقرأ الجمهور : (عَمَ) ؛ وعبد الله وأبيّ وعكرمة وعيسى : عما بالألف ، وهو أصل عم ، والأكثر حذف الألف من ما الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر وأضيف إليها. ومن إثبات الألف قوله :
على ما قام يشتمني لئيم |
|
كخنزير تمرغ في رماد |
وقرأ الضحاك وابن كثير في رواية : عمه بهاء السكت ، أجرى الوصل مجرى الوقف ، لأن الأكثر في الوقف على ما الاستفهامية هو بإلحاق هاء السكت ، إلا إذا أضيفت إليها فلا بد من الهاء في الوقف ، نحو : بحي مه. والاستفهام عن هذا فيه تفخيم وتهويل وتقرير وتعجيب ، كما تقول : أي رجل زيد؟ وزيد ما زيد ، كأنه لما كان عديم النظير أو قليله خفي عليك جنسه فأخذت تستفهم عنه. ثم جرد العبارة عن تفخيم الشيء ، فجاء في القرآن ، والضمير في (يَتَساءَلُونَ) لأهل مكة. ثم أخبر تعالى أنهم (يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) ، وهو أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وما جاء به من القرآن. وقيل : الضمير لجميع العالم ، فيكون الاختلاف تصديق المؤمن وتكذيب الكافر. وقيل : المتساءل فيه البعث ، والاختلاف فيه عم متعلق بيتساءلون. ومن قرأ عمه بالهاء في الوصل فقد ذكرنا أنه يكون أجرى الوصل مجرى الوقف ، وعن النبأ متعلق بمحذوف ، أي يتساءلون عن النبأ. وأجاز الزمخشري أن يكون وقف على عمه ، ثم ابتدأ بيتسألون عن النبأ العظيم على أن يضمر لعمه يتساءلون ، وحذفت لدلالة ما بعدها عليه ، كشيء مبهم ثم يفسر. وقال ابن عطية : قال أكثر النحاة قوله (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) متعلق بيتساءلون ، الظاهر كأنه قال : لم يتساءلون عن النبأ العظيم؟ وقال الزجاج : الكلام تام في قوله (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) ، ثم كان مقتضى القول أن يجيب مجيب فيقول : يتساءلون عن النبأ ، فاقتضى إيجاز القرآن وبلاغته أن يبادر المحتج بالجواب الذي يقتضيه الحال ، والمجاورة اقتضاء بالحجة وإسراعا إلى موضع قطعهم. وقرأ عبد الله وابن جبير : يسألون بغير تاء وشد السين ، وأصله يتساءلون بتاء الخطاب ، فأدغم التاء الثانية في السين. (كَلَّا) : ردع للمتسائلين. وقرأ الجمهور : بياء الغيبة فيهما. وعن الضحاك : الأول
__________________
(١) سورة المرسلات : ٧٧ / ٥٠.