وقوع يوم عسير ، لأن يوم القيامة يأتي ويقع حين ينقر في الناقور. ويجوز أن يكون يومئذ مبنيا مرفوع المحل بدلا من ذلك ، ويوم عسير خبر ، كأنه قيل : فيوم النقر يوم عسير. فإن قلت : فما فائدة قوله : (غَيْرُ يَسِيرٍ) ، وعسير مغن عنه؟ قلت : لما قال (عَلَى الْكافِرِينَ) فقصر العسر عليهم ، قال (غَيْرُ يَسِيرٍ) ليؤذن بأنه لا يكون عليهم كما يكون على المؤمنين يسيرا هينا ، فيجمع بين وعيد الكافرين وزيادة غيظهم وبشارة المؤمنين وتسليتهم. ويجوز أن يراد به عسير لا يرجى أن يرجع يسيرا ، كما يرجى بيسير العسير من أمور الدنيا. انتهى. وقال الحوفي : (فَإِذا) ، إذا متعلقة بأنذر ، أي فأنذرهم إذا نقر في الناقورة ، قال أبو البقاء : يجري على القول الأخفش أن تكون إذا مبتدأ والخبر فذلك والفاء زائدة. فأما يومئذ فظرف لذلك ، وأجاز أبو البقاء أن يتعلق على الكافرين بيسير ، أي غير يسير ، أي غير سهل على الكافرين ؛ وينبغي أن لا يجوز ، لأن فيه تقديم معمول العامل المضاف إليه غير على العامل ، وهو ممنوع على الصحيح ؛ وقد أجازه بعضهم فيقول : أنا بزيد غير راض.
(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) : لا خلاف أنها نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي ، فروي أنه كان يلقب بالوحيد ، أي لأنه لا نظير له في ماله وشرفه في بيته. والظاهر انتصاب وحيدا على الحال من الضمير المحذوف العائد على من ، أي خلقته منفردا ذليلا قليلا لا مال له ولا ولد ، فآتاه الله تعالى المال والولد ، فكفر نعمته وأشرك به واستهزأ بدينه. وقيل : حال من ضمير النصب في ذرني ، قاله مجاهد ، أي ذرني وحدي معه ، فأنا أجزيك في الانتقام منه ؛ أو حال من التاء في خلقت ، أي خلقته وحدي لم يشركني في خلقي أحد ، فأنا أهلكه لا أحتاج إلى ناصر في إهلاكه. وقيل : وحيدا لا يتبين أبوه. وكان الوليد معروفا بأنه دعي ، كما تقدم في قوله تعالى : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) (١) ، وإذا كان يدعى وحيدا ، فلا يجوز أن ينتصب على الذم ، لأنه لا يجوز أن يصدقه الله تعالى في أنه وحيدا لا نظير له. ورد ذلك بأنه لما لقب بذلك صار علما ، والعلم لا يفيد في المسمى صفة ، وأيضا فيمكن حمله على أنه وحيد في الكفر والخبث والدناءة.
(وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) ، قال ابن عباس : كان له بين مكة والطائف إبل وحجور ونعم وجنان وعبيد وجوار. وقيل : كان صاحب زرع وضرع وتجارة. وقال النعمان بن بشير : المال المدود هو الأرض لأنها مدت. وقال عمر بن الخطاب رضياللهعنه : هو الريع المستغل مشاهرة ، فهو مد في الزمان لا ينقطع. وقيل : هو مقدار معين واضطربوا في
__________________
(١) سورة القلم : ٦٨ / ١٣.