عَدَداً). ويجوز أن يتعلق بمحذوف دلت عليه الحال من استضعاف الكفار له واستقلالهم لعدده ، كأنه لا يزالون على ما هم عليه (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ). قال المشركون : متى يكون هذا الموعد إنكارا له؟ فقيل : قل إنه كائن لا ريب فيه فلا تنكروه ، فإن الله قد وعد ذلك ، وهو لا يخلف الميعاد. وأما وقته فلا أدري متى يكون ، لأن الله لم يبينه لما رأى في إخفاء وقته من المصلحة. انتهى. وقوله : بم تعلق إن؟ عنى تعلق حرف الجر ، فليس بصحيح لأنها حرف ابتداء ، فما بعدها ليس في موضع جر خلافا للزجاج وابن درستوية ، فإنهما زعما أنها إذا كانت حرف ابتداء ، فالجملة الابتدائية بعدها في موضع جر ؛ وإن عنى بالتعلق اتصال ما بعدها بما قبلها ، وكون ما بعدها غاية لما قبلها ، فهو صحيح. وأما تقديره أنها تتعلق بقوله : (يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) ، فهو بعيد جدا لطول الفصل بينهما بالجمل الكثيرة. وقال التبريزي : حتى جاز أن تكون غاية لمحذوف ، ولم يبين ما المحذوف. وقيل : المعنى دعهم حتى إذا رأوا ما يوعدون من الساعة ، (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) ، أهم أم أهل الكتاب؟ والذي يظهر لي أنها غاية لما تضمنته الجملة التي قبلها من الحكم بكينونة النار لهم ، كأنه قيل : إن العاصي يحكم له بكينونة النار لهم ، والحكم بذلك هو وعيد حتى إذا رأوا ما حكم بكينونته لهم فسيعلمون. فقوله : (فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) هو وعيد لهم بالنار ، ومن أضعف مبتدأ وخبر في موضع نصب لما قبله ، وهو معلق عنه لأن من استفهام. ويجوز أن تكون من موصولة في موضع نصب بسيعلمون ، وأضعف خبر مبتدأ محذوف. والجملة صلة لمن ، وتقديره : هو أضعف ، وحسن حذفه طول الصلة بالمعمول وهو ناصرا. قال مكحول : لم ينزل هذا إلا في الجن ، أسلم منهم من وفق وكفر من خذل كالإنس ، قال : وبلغ من تابع النبي صلىاللهعليهوسلم ليلة الجن سبعين ألفا ، وفزعوا عند انشقاق الفجر. ثم أمره تعالى أن يقول لهم إنه لا يدري وقت طول ما وعدوا به ، أهو قريب أم بعيد؟.
قال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى قوله : (أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً) ، والأمد يكون قريبا وبعيدا؟ ألا ترى إلى قوله تعالى : (تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) (١)؟ قلت : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يستقرب الموعد ، فكأنه قال : «ما أدري أهو حال متوقع في كل ساعة أم مؤجل ضربت له غاية»؟ أي هو عالم الغيب. (فَلا يُظْهِرُ) : فلا يطلع ، و (مِنْ رَسُولٍ) تبيين لمن ارتضى ، يعني أنه لا يطلع على الغيب إلا المرتضى الذي هو مصطفى للنبوّة خاصة ، لا كل مرتضي ، وفي هذا إبطال للكرامات ، لأن الذين تضاف إليهم ، وإن كانوا
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٣٠.