فيؤمنون به فيرشدون. وحين ذكروا الشر لم يسندوه إلى الله تعالى ، وحين ذكروا الرشد أسندوه إليه تعالى. (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ) : أخبروا بما هم عليه من صلاح وغيره. (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) : أي دون الصالحين ، ويقع دون في مواضع موقع غير ، فكأنه قال : ومنا غير صالحين. ويجوز أن يريدوا : ومنا دون ذلك في الصلاح ، أي فيهم أبرار وفيهم من هو غير كامل في الصلاح ، ودون في موضع الصفة لمحذوف ، أي ومنا قوم دون ذلك. ويجوز حذف هذا الموصوف في التفصيل بمن ، حتى في الجمل ، قالوا : منا ظعن ومنا أقام ، يريدون : منا فريق ظعن ومنا فريق أقام ، والجملة من قوله : (كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) تفسير للقسمة المتقدمة. قال ابن عباس وعكرمة وقتادة : أهواء مختلفة ، وقيل : فرقا مختلفة. وقال الزمخشري : أي كنا ذوي مذاهب مختلفة ، أو كنا في اختلاف أحوالنا مثل الطرائق المختلفة ، أو كنا في طرائق مختلفة كقوله :
كما عسل الطريق الثعلب
أو كانت طرائقنا قددا على حذف المضاف الذي هو الطرائق ، وإقامة الضمير المضاف إليه مقامه. انتهى. وفي تقديريه الأولين حذف المضاف من طرائق وإقامة المضاف إليه مقامه ، إذ حذف ذوي ومثل. وأما التقدير الثالث ، وهو أن ينتصب على إسقاط في ، فلا يجوز ذلك إلا في الضرورة ، وقد نص سيبويه على أن عسل الطريق شاذ ، فلا يخرج القرآن عليه. (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ) : أي أيقنا ، (فِي الْأَرْضِ) : أي كائنين في الأرض ، (وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) : أي من الأرض إلى السماء ، وفي الأرض وهربا حالان ، أي فارين أو هاربين. (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى) : وهو القرآن ، (آمَنَّا بِهِ) : أي بالقرآن ، (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ) : أي فهو لا يخاف. وقرأ ابن وثاب والأعمش والجمهور : (فَلا يَخافُ) ، وخرجت قراءتهما على النفي. وقيل : الفاء زائدة ولا نفي وليس بشيء ، وكان الجواب بالفاء أجود من المجيء بالفعل مجزوما دون الفاء ، لأنه إذا كان بالفاء كان إضمار مبتدأ ، أي فهو لا يخاف. والجملة الاسمية أدل وآكد من الفعلية على تحقق مضمون الجملة. (بَخْساً) ، قال ابن عباس : نقص الحسنات ، (وَلا رَهَقاً) ، قال : زيادة في السيئات ، (وَلا رَهَقاً) ، قيل : تحميل ما لا يطاق. وقال الزمخشري : أي جزاء بخس ولا رهق ، لأنه لم يبخس أحدا حقا ولا رهق ظلم أحد ، فلا يخاف جزاءهما. ويجوز أن يراد : فلا يخاف أن يبخس بل يجزى الجزاء الأوفى ، ولا أن ترهقه ذلة من قوله عزوجل : (تَرْهَقُهُمْ