لمن صرف ذلك للمناسبة. وقال الزمخشري : وهذه قراءة مشكلة ، لأنهما إن كانا عربيين أو أعجميين ففيهما منع الصرف ، ولعله قصد الازدواج فصرفهما لمصادفته أخواتهما منصرفات (وَدًّا) و (سُواعاً) و (نَسْراً) ، كما قرىء : (وَضُحاها) (١) بالإمالة لوقوعه مع الممالات للازدواج. انتهى. وكان الزمخشري لم يدر أن ثم لغة لبعض العرب تصرف كل ما لا ينصرف عند عامتهم ، فلذلك استشكلها.
(وَقَدْ أَضَلُّوا) : أي الرؤساء المتبوعون ، (كَثِيراً) : من أتباعهم وعامتهم ، وهذا إخبار من نوح عليهالسلام عنهم بما جرى على أيديهم من الضلال. وقال الحسن : (وَقَدْ أَضَلُّوا) : أي الأصنام ، عاد الضمير عليها كما يعود على العقلاء ، كقوله تعالى : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) (٢) ويحسنه عوده على أقرب مذكور ، ولكن عوده على الرؤساء أظهر ، إذ هم المحدث عنهم والمعنى فيهم أمكن. ولما أخبر أنهم قد ضلوا كثيرا ، دعا عليهم بالضلال ، فقال : (وَلا تَزِدِ) : وهي معطوفة على (وَقَدْ أَضَلُّوا) ، إذ تقديره : وقال وقد أضلوا كثيرا ، فهي معمولة لقال المضمرة المحكي بها قوله : (وَقَدْ أَضَلُّوا) ، ولا يشترط التناسب في عطف الجمل ، بل قد يعطف ، جملة الإنشاء على جملة الخبر والعكس ، خلافا لمن يدعي التناسب. وقال الزمخشري ما ملخصه : عطف (وَلا تَزِدِ) على (رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي) ، أي قال هذين القولين. (إِلَّا ضَلالاً) ، قال الزمخشري : فإن قلت : كيف جاز أن يريد لهم الضلال ويدعو الله بزيادته؟ قلت : المراد بالضلال أن يخذلوا ويمنعوا الألطاف لتصميمهم على الكفر ووقوع اليأس من إيمانهم ، وذلك حسن جميل يجوز الدعاء به ، بل لا يحسن الدعاء بخلافه. انتهى ، وذلك على مذهب الاعتزال. قال : ويجوز أن يراد بالضلال الضياع والهلاك ، كما قال : (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً). وقال ابن بحر : (إِلَّا ضَلالاً) : إلا عذابا ، قال كقوله : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ). وقيل : إلا خسرانا. وقيل : إلا ضلالا في أمر دنياهم وترويج مكرهم وحيلهم.
وقرأ الجمهور : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ) جمعا بالألف والتاء مهموزا ؛ وأبو رجاء كذلك ، إلا أنه أبدل الهمزة ياء وأدغم فيها ياء المد ؛ والجحدري وعبيد ، عن أبي عمرو : على الإفراد مهموزا ؛ والحسن وعيسى والأعرج : بخلاف عنهم ؛ وأبو عمرو : خطاياهم جمع تكسير ، وهذا إخبار من الله تعالى للرسول عليه الصلاة والسلام بأن دعوة نوح عليهالسلام
__________________
(١) سورة الشمس : ٩١ / ١.
(٢) سورة إبراهيم : ١٤ / ٣٦.