فمن جعله البهموت ، جعل القلم هو الذي خلقه الله وأمره بكتب الكائنات ، وجعل الضمير في (يَسْطُرُونَ) للملائكة. ومن قال : هو اسم ، جعله القلم المتعارف بأيدي الناس ؛ نص على ذلك ابن عباس وجعل الضمير في (يَسْطُرُونَ) للناس ، فجاء القسم على هذا المجموع أمر الكتاب الذي هو قوام للعلوم وأمور الدنيا والآخرة ، فإن القلم أخو اللسان ونعمة من الله عامة. انتهى. وقرأ الجمهور : (ن) بسكون النون وإدغامها في واو (وَالْقَلَمِ) بغنة وقوم بغير غنة ، وأظهرها حمزة وأبو عمرو وابن كثير وقالون وحفص. وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق والحسن وأبو السمال : بكسر النون لالتقاء الساكنين ؛ وسعيد بن جبير وعيسى : بخلاف عنه بفتحها ، فاحتمل أن تكون حركة إعراب ، وهو اسم للسورة أقسم به وحذف حرف الجر ، فانتصب ومنع الصرف للعلمية والتأنيث ، ويكون (وَالْقَلَمِ) معطوفا عليه. واحتمل أن يكون لالتقاء الساكنين ، وأوثر الفتح تخفيفا كأين ، وما يحتمل أن تكون موصولة ومصدرية ، والضمير في (يَسْطُرُونَ) عائد على الكتاب لدلالة القلم عليهم ، فإما أن يراد بهم الحفظة ، وإما أن يراد كل كاتب. وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد بالقلم أصحابه ، فيكون الضمير في (يَسْطُرُونَ) لهم ، كأنه قيل : وأصحاب القلم ومسطوراتهم أو وتسطيرهم. انتهى. فيكون كقوله : (كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ) (١) : أي وكذي ظلمات ، ولهذا عاد عليه الضمير في قوله : (يَغْشاهُ مَوْجٌ) (٢).
وجواب القسم : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ). ويظهر أن (بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) قسم اعترض به بين المحكوم عليه والحكم على سبيل التوكيد والتشديد والمبالغة في انتفاء الوصف الذميم عنه صلىاللهعليهوسلم. وقال ابن عطية : (بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) اعتراض ، كما تقول للإنسان : أنت بحمد الله فاضل. انتهى. ولم يبين ما تتعلق به الباء في (بِنِعْمَةِ). وقال الزمخشري : يتعلق (بِمَجْنُونٍ) منفيا ، كما يتعلق بعاقل مثبتا في قولك : أنت بنعمة الله عاقل ، مستويا في ذلك النفي والإثبات استواءهما في قولك : ضرب زيد عمرا ، وما ضرب زيد عمرا تعمل الفعل مثبتا ومنفيا إعمالا واحدا ، ومحله النصب على الحال ، كأنه قال : ما أنت بمجنون منعما عليك بذلك ، ولم تمنع الباء أن يعمل مجنون فيما قبله لأنها زائدة لتأكيد النفي ، والمعنى : استبعاد ما كان ينسبه إليه كفار مكة عداوة وحسدا ، وأنه من إنعام الله تعالى عليه بحصافة العقل والشهامة التي يقتضيها التأهيل للنبوة بمنزلة. انتهى.
__________________
(١) سورة النور : ٢٤ / ٤٠.
(٢) سورة النور : ٢٤ / ٤٠.