وصلة الكفار لا تضرهم ولا تنقص من ثوابهم بحال امرأة فرعون ، واسمها آسية بنت مزاحم ، ولم يضرها كونها كانت تحت فرعون عدوّ الله تعالى والمدعي الإلهية ، بل نجاها منه إيمانها ؛ وبحال مريم ، إذ أوتيت من كرامة الله تعالى في الدنيا والآخرة ، والاصطفاء على نساء العالمين ، مع أن قومها كانوا كفارا. (إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) : هذا يدل على إيمانها وتصديقها بالبعث. قيل : كانت عمة موسى عليهالسلام ، وآمنت حين سمعت بتلقف عصاه ما أفك السحرة. طلبت من ربها القرب من رحمته ، وكان ذلك أهم عندها ، فقدمت الظرف ، وهو (عِنْدَكَ بَيْتاً) ، ثم بينت مكان القرب فقالت : (فِي الْجَنَّةِ). وقال بعض الظرفاء : وقد سئل : ابن في القرآن مثل قولهم : الجار قبل الدار ، قال : قوله تعالى (ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) ، فعندك هو المجاورة ، وبيتا في الجنة هو الدار ، وقد تقدم (عِنْدَكَ) على قوله : (بَيْتاً). (وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ) ، قيل : دعت بهذه الدعوات حين أمر فرعون بتعذيبها لما عرف إيمانها بموسى عليهالسلام. وذكر المفسرون أنواعا مضطربة في تعذيبها ، وليس في القرآن نصا أنها عذبت. وقال الحسن : لما دعت بالنجاة ، نجاها الله تعالى أكرم نجاة ، فرفعها إلى الجنة تأكل وتشرب وتتنعم. وقيل : لما قالت : (ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) ، أريت بيتها في الجنة يبنى ، (وَعَمَلِهِ) ، قيل : كفره. وقيل : عذابه وظلمه وشماتته. وقال ابن عباس : الجماع. (وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ، قال : أهل مصر ، وقال مقاتل : القبط ، وفي هذا دليل على الالتجاء إلى الله تعالى عند المحن وسؤال الخلاص منها ، وإن ذلك من سنن الصالحين والأنبياء.
(وَمَرْيَمَ) : معطوف على امرأة فرعون ، (ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) : تقدم تفسير نظير هذه في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقرأ الجمهور : ابنت بفتح التاء ؛ وأيوب السختياني : ابنه بسكون الهاء وصلا أجراه مجرى الوقف. وقرأ الجمهور : (فَنَفَخْنا فِيهِ) : أي في الفرج ؛ وعبد الله : فيها ، كما في سورة الأنبياء ، أي في الجملة. وجمع تعالى في التمثيل بين التي لها زوج والتي لا زوج لها تسلية للأرامل وتطييبا لقلوبهن. وقرأ الجمهور : (وَصَدَّقَتْ) بشد الدال ؛ ويعقوب وأبو مجلز وقتادة وعصمة عن عاصم : بخفها ، أي كانت صادقة بما أخبرت به من أمر عيسى عليهالسلام ، وما أظهر الله له من الكرامات. وقرأ الجمهور : وكلماته جمعا ، فاحتمل أن تكون الصحف المنزلة على إدريس عليهالسلام وغيره ، وسماها كلمات لقصرها ، ويكون المراد بكتبه : الكتب الأربعة. واحتمل أن تكون الكلمات : ما كلم الله تعالى به ملائكته وغيرهم ،