قولهم : عسل ناصح ، أي خالص من الشمع ، أو من النصاحة وهي الخياطة ، أي قد أحكمها وأوثقها ، كما يحكم الخياط الثوب بخياطته وتوثيقه.
وسمع عليّ أعرابيا يقول : اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك ، فقال : يا هذا إن سرعة اللسان بالتوبة توبة الكذابين ، قال : وما التوبة؟ قال : يجمعها ستة أشياء : على الماضي من الذنوب الندامة ، وعلى الفرائض الإعادة ، ورد المظالم واستحلال الخصوم ، وأن يعزم على أن لا يعودوا ، وأن تدئب نفسك في طاعة الله كما أدأبتها في المعصية ، وأن تذيقها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعاصي ، وعن حذيفة : بحسب الرجل من الشر أن يتوب من الذنب ثم يعود فيه. انتهى. ونصوحا من نصح ، فاحتمل ـ وهو الظاهر ـ أن تكون التوبة تنصح نفس التائب ، واحتمل أن يكون متعلق النصح الناس ، أي يدعوهم إلى مثلها لظهور أمرها على صاحبها. وقرأ زيد بن علي : توبا بغير تاء ، ومن قرأ بالضم جاز أن يكون مصدرا وصف كما قدمناه ، وجاز أن يكون مفعولا له ، أي توبوا لنصح أنفسكم. وقرأ الجمهور : (وَيُدْخِلَكُمْ) عطفا على (أَنْ يُكَفِّرَ). وقال الزمخشري : عطفا على محل عسى أن يكفر ، كأنه قيل : توبوا يوجب تكفير سيئاتكم ويدخلكم. انتهى. والأولى أن يكون حذف الحركة تخفيفا وتشبيها لما هو من كلمتين بالكلمة الواحدة ، تقول في قمع ونطع : قمع ونطع.
(يَوْمَ لا يُخْزِي) منصوب يدخلكم ، ولا يخزي تعريض بمن أخزاهم الله من أهل الكفر ، والنبي هو محمد رسول صلىاللهعليهوسلم ، وفي الحديث أنه صلىاللهعليهوسلم تضرع إلى الله عزوجل في أمر أمته فأوحى الله تعالى إليه : إن شئت جعلت حسابهم إليك ، فقال : «يا رب أنت أرحم بهم» ، فقال تعالى : إذا لا أخزيك فيهم. وجاز أن يكون : (وَالَّذِينَ) معطوفا على (النَّبِيَ) ، فيدخلون في انتفاء الخزي. وجاز أن يكون مبتدأ ، والخبر (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ). وقرأ سهل بن شعيب وأبو حيوة : وبإيمانهم بكسر الهمزة ، وتقدم في الحديث. (يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا). قال ابن عباس والحسن : يقولون ذلك إذا طفىء نور المنافقين. وقال الحسن أيضا : يدعونه تقربا إليه ، كقوله : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) (١) ، وهو مغفور له. وقيل : يقوله من يمر على الصراط زحفا وحبوا. وقيل : يقوله من يعطى من النور مقدار ما يبصر به موضع قدميه. (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) : تقدم نظير هذه الآية في التوبة.
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٢٩.