كفروا. وقال الزمخشري : ذلك القول الشاهد عليهم بأنهم أسوأ الناس أعمالا بسبب أنهم آمنوا ثم كفروا ، أو إلى ما وصف من حالهم في النفاق والكذب والاستخفاف بالإيمان ، أي ذلك كله بسبب أنهم آمنوا ثم كفروا. وقرأ الجمهور : (فَطُبِعَ) مبنيا للمفعول ؛ وزيد بن علي : مبنيا للفاعل : أي فطبع الله ؛ وكذا قراءة الأعمش وزيد في رواية مصرحا بالله. ويحتمل على قراءة زيد الأولى أن يكون الفاعل ضميرا يعود على المصدر المفهوم من ما قبله ، أي فطبع هو ، أي بلعبهم بالدين. ومعنى (آمَنُوا) : نطقوا بكلمة الشهادة وفعلوا كما يفعل المسلمون ، (ثُمَّ كَفَرُوا) : أي ظهر كفرهم بما نطقوا به من قولهم : لئن كان محمد ما يقوله حقا فنحن شر من الحمير ، وقولهم : أيطمع هذا الرجل أن تفتح له قصور كسرى وقيصر؟ هيهات ، أو نطقوا بالإيمان عند المؤمنين وبالكفر عند شياطينهم ، أو ذلك فيمن آمن ثم ارتد.
(وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ) : الخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم ، أو للسامع : أي لحسنها ونضارتها وجهارة أصواتهم ، فكان منظرهم يروق ، ومنطقهم يحلو. وقرأ الجمهور : (تَسْمَعْ) بتاء الخطاب ؛ وعكرمة وعطية العوفي : يسمع بالياء مبنيا للمفعول ، و (لِقَوْلِهِمْ) : الجار والمجرور هو المفعول الذي لم يسم فاعله ، وليست اللام زائدة ، بل ضمن يسمع معنى يصغ ويمل ، تعدى باللام وليست زائدة ، فيكون قولهم هو المسموع. وشبهوا بالخشب لعزوب أفهامهم وفراغ قلوبهم من الإيمان ، ولم يكن حتى جعلها مسندة إلى الحائط ، لا انتفاع بها لأنها إذا كانت في سقف أو مكان ينتفع بها ، وأما إذا كانت غير منتفع بها فإنها تكون مهملة مسندة إلى الحيطان أو ملقاة على الأرض قد صففت ، أو شبهوا بالخشب التي هي الأصنام وقد أسندت إلى الحيطان ، والجملة التشبيهية مستأنفة ، أو على إضمارهم. وقرأ الجمهور : (خُشُبٌ) بضم الخاء والشين ؛ والبراء بن عازب والنحويان وابن كثير : بإسكان الشين ، تخفيف خشب المضموم. وقيل : جمع خشباء ، كحمر جمع حمراء ، وهي الخشبة التي نخر جوفها ، شبهوا بها في فساد بواطنهم. وقرأ ابن المسيب وابن جبير : خشب بفتحتين ، اسم جنس ، الواحد خشبة ، وأنث وصفه كقوله : (أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) (١) ، أشباح بلا أرواح ، وأجسام بلا أحلام. وذكر ممن كان ذا بهاء وفصاحة عبد الله بن أبيّ ، والجد بن قيس ، ومعتب بن قشير. قال الشاعر في مثل هؤلاء :
لا تخدعنك اللحى ولا الصور |
|
تسعة أعشار من ترى بقر |
__________________
(١) سورة الحاقة : ٦٩ / ٧.