تؤمنون وتجاهدون عطف بيان على قوله : (هَلْ أَدُلُّكُمْ) ، كأن التجارة لم يدر ما هي ، فبينت بالإيمان والجهاد ، فهي هما في المعنى ، فكأنه قال : هل تؤمنون وتجاهدون؟ قال : فإن لم تقدر هذا التقدير لم يصح ، لأنه يصير : إن دللتم يغفر لكم ، والغفران إنما يجب بالقبول والإيمان لا بالدلالة. وقال الزمخشري نحوه ، قال : وجهه أن متعلق الدلالة هو التجارة ، والتجارة مفسرة بالإيمان والجهاد ، فكأنه قال : هل تتحرون بالإيمان والجهاد يغفر لكم؟ انتهى ، وتقدم شرح بقية الآية.
ولما ذكر تعالى ما يمنعهم من الثواب في الآخرة ، ذكر ما يسرهم في العاجلة ، وهي ما يفتح عليهم من البلاد. (وَأُخْرى) : صفة لمحذوف ، أي ولكم مثوبة أخرى ، أو نعمة أخرى عاجلة إلى هذه النعمة الآجلة. فأخرى مبتدأ وخبره المقدر لكم ، وهو قول الفراء ، ويرجحه البدل منه بقوله : (نَصْرٌ مِنَ اللهِ) ، و (تُحِبُّونَها) صفة ، أي محبوبة إليكم. وقال قوم : وأخرى في موضع نصب بإضمار فعل ، أي ويمنحكم أخرى ؛ ونصر خبر مبتدأ ، أي ذلك ، أو هو نصر. وقال الأخفش : وأخرى في موضع جر عطفا على تجارة ، وضعف هذا القول لأن هذه الأخرى ليست مما دل عليه ، إنما هي من الثواب الذي يعطيهم الله على الإيمان والجهاد بالنفس والمال. وقرأ الجمهور : (نَصْرٌ) بالرفع ، وكذا (وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) ؛ وابن أبي عبلة : بالنصب فيها ثلاثتها ، ووصف أخرى بتحبونها ، لأن النفس قد وكلت بحب العاجل ، وفي ذلك تحريض على ما يحصل ذلك ، وهو الإيمان والجهاد. وقال الزمخشري : وفي تحبونها شيء من التوبيخ على محبة العاجل ، قال : فإن قلت : لم نصب من قرأ نصرا من الله وفتحا قريبا؟ قلت : يجوز أن ينصب على الاختصاص ، أو على ينصرون نصرا ويفتح لكم فتحا ، أو على (يَغْفِرْ لَكُمْ) و (يُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ) ويؤتكم أخرى نصرا وفتحا قريبا. فإن قلت علام عطف قوله : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)؟ قلت : على (تُؤْمِنُونَ) ، لأنه في معنى الأمر ، كأنه قيل : آمنوا وجاهدوا يثبكم الله وينصركم ، وبشر يا رسول الله المؤمنين بذلك. انتهى.
(كُونُوا أَنْصارَ اللهِ) : ندب المؤمنين إلى النصرة ووضع لهم هذا الاسم ، وإن كان قد صار عرفا للأوس والخزرج ، وسماهم الله به. وقرأ الأعرج وعيسى وأبو عمرو والحرميان : أنصارا لله بالتنوين ؛ والحسن والجحدري وباقي السبعة : بالإضافة إلى الله ، والظاهر أن كما في موضع نصب على إضمار ، أي قلنا لكم ذلك كما قال عيسى. وقال مكي : نعت لمصدر محذوف ، والتقدير : كونوا كونا. وقيل : نعت لأنصارا ، أي كونوا أنصار الله كما