هذه السورة مدنية. وقيل : نزلت في بني النضير ، وتعد من المدينة لتدانيها منها. وكان بنو النضير صالحوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، على أن لا يكونوا عليه ولا له. فلما ظهر يوم بدر قالوا : هو النبي الذي نعته في التوراة ، لا ترد له راية. فلما هزم المسلمون يوم أحد ، ارتابوا ونكثوا ، فخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكبا إلى مكة ، فحالفوا عليه قريشا عند الكعبة ، فأخبر جبريل الرسول صلىاللهعليهوسلم بذلك ، فأمر بقتل كعب ، فقتله محمد بن مسلمة غيلة ، وكان أخاه من الرضاعة. وكان النبي صلىاللهعليهوسلم قد اطلع منهم على خيانة حين أتاهم في دية المسلمين الذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري ، منصرفه من بئر معونة ؛ فهموا بطرح الحجر على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فعصمه الله تعالى.
فلما قتل كعب ، أمر عليه الصلاة والسلام بالمسير إلى بني النضير ، وكانوا بقرية يقال لها الزهرة. فساروا ، وهو عليه الصلاة والسلام على حمار مخطوم بليف ، فوجدهم ينوحون على كعب ، وقالوا : ذرنا نبكي شجونا ثم مر أمرك ، فقال : «اخرجوا من المدينة» ، فقالوا : الموت أقرب لنا من ذلك ، وتنادوا بالحرب. وقيل : استمهلوه عشرة أيام ليتجهزوا للخروج. ودس المنافق عبد الله بن أبيّ وأصحابه أن لا تخرجوا من الحصن ، فإن قاتلوكم فنحن معكم ولننصرنكم ، وإن أخرجتم لنخرجن معكم. فدرّبوا على الأزقة وحصنوها ، ثم أجمعوا على الغدر برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : اخرج في ثلاثين من أصحابك ، ويخرج منا ثلاثون ليسمعوا منك ، فإن صدقوا آمنا كلنا ، ففعل ، فقالوا : كيف نفهم ونحن ستون؟ اخرج في ثلاثة ، ويخرج إليك ثلاثة من علمائنا ، ففعلوا ، فاشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك. فأرسلت امرأة منهم ناصحة إلى أخيها ، وكان مسلما ، فأخبرته بما أرادوا ، فأسرع إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ، فساره بخبرهم قبل أن يصل الرسول إليهم.
فلما كان من الغد ، غدا عليهم بالكتائب ، فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة ، فقذف الله في قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين ، فطلبوا الصلح ، فأبى عليهم إلا الجلاء ، على أن يحمل كل ثلاثة أبيات على بعير ما شاءوا من المتاع ، فجلوا إلى الشام إلى أريحا وأذرعات ، إلا أهل بيتين منهم آل أبي الحقيق وآل حيي بن أحطب ، فلحقوا بخيبر ، ولحقت طائفة بالحيرة ، وقبض أموالهم وسلاحهم ، فوجد خمسين درعا وخمسين بيضة وثلاثمائة وأربعين سيفا. وكان ابن أبي قد قال لهم : معي ألفان من قومي وغيرهم ، وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان. فلما نازلهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، اعتزلتهم قريظة وخذلهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان.