مَرَّتَيْنِ) (١) ، إذ أنتم مثلهم في الإيمانين ، لا تفرقوا بين أحد من رسله. وروي أن مؤمني أهل الكتاب افتخروا على غيرهم من المؤمنين بأنهم يؤتون أجرهم مرتين ، وادعوا الفضل عليهم ، فنزلت. وقيل : النداء متوجه لمن آمن من أهل الكتاب ، فالمعنى : يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى ، آمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، يؤتكم الله كفلين ، أي نصيبين من رحمته ، وذلك لإيمانكم بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وإيمانكم بمن قبله من الرسل. (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) : وهو النور المذكور في قوله : (يَسْعى نُورُهُمْ) ، ويغفر لكم ما أسلفتم من الكفر والمعاصي. ويؤيد هذا المعنى ما ثبت في الصحيح : «ثلاثة يؤتهم الله أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي» ، الحديث.
ليعلم أهل الكتاب الذين لم يسلموا أنهم لا ينالون شيئا مما ذكر من فضله من الكفلين والنور والمغفرة ، لأنهم لم يؤمنوا برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلم ينفعهم إيمانهم بمن قبله ، ولم يكسبهم فضلا قط. وإذا كان النداء لمؤمني هذه الأمة والأمر لهم ، فروي أنه لما نزل هذا الوعد لهم حسدهم أهل الكتاب ، وكانت اليهود تعظم دينها وأنفسها ، وتزعم أنهم أحباء الله وأهل رضوانه ، فنزلت هذه الآية معلمة أن الله تعالى فعل ذلك وأعلم به. ليعلم أهل الكتاب أنهم ليسوا كما يزعمون. وقرأ الجمهور : (لِئَلَّا يَعْلَمَ) ، ولا زائدة كهي في قوله : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) (٢) ، وفي قوله : (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (٣) في بعض التأويلات. وقرأ خطاب بن عبد الله : لأن لا يعلم ؛ وعبد الله وابن عباس وعكرمة والجحدري وعبد الله بن سلمة : على اختلاف ليعلم ؛ والجحدري : لينيعلم ، أصله لأن يعلم ، قلب الهمزة ياء لكسرة ما قبلها وأدغم النون في الياء بغير غنة ، كقراءة خلف أن يضرب بغير غنة. وروى ابن مجاهد عن الحسن : ليلا مثل ليلى اسم المرأة ، يعلم برفع الميم أصله لأن لا بفتح لام الجر وهي لغة ، فحذفت الهمزة ، اعتباطا ، وأدغمت النون في اللام ، فاجتمعت الأمثال وثقل النطق بها ، فأبدلوا من الساكنة ياء فصار ليلا ، ورفع الميم ، لأن إن هي المخففة من الثقيلة لا الناصبة للمضارع ، إذ الأصل لأنه لا يعلم. وقطرب عن الحسن أيضا : لئلا بكسر اللام وتوجيهه كالذي قبله ، إلا أنه كسر اللام على اللغة الشهيرة في لام الجر. وعن ابن عباس : كي يعلم ، وعنه : لكيلا يعلم ، وعن عبد الله وابن جبير وعكرمة : لكي يعلم. وقرأ الجمهور : أن لا يقدرون بالنون ، فإن هي المخففة من الثقيلة ؛ وعبد الله بحذفها ، فإن الناصبة للمضارع ، والله تعالى أعلم.
__________________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ٥٤.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١٢.
(٣) سورة الأنبياء : ٢١ / ٩٥.