العاصي بن وائل ، أو أمية بن خلف ، أو أبي بن خلف ، أقوال أصحها أنه أبي بن خلف ، رواه ابن وهب عن مالك ، وقاله ابن إسحاق وغيره. والقول أنه أمية ، قاله مجاهد وقتادة ؛ ويحتمل أن كلا منهم واقع ذلك منه.
وقد كان لأبيّ مع الرسول مراجعات ومقامات ، جاء بالعظم الرميم بمكة ، ففتته في وجهه الكريم وقال : من يحيي هذا يا محمد؟ فقال : «الله يحييه ويميتك ويحييك ويدخلك جهنم» ، ثم نزلت الآية. وأبيّ هذا قتله رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيده يوم أحد بالحربة ، فخرجت من عنقه. ووهم من نسب إلى ابن عباس أن الجائي بالعظم هو عبد الله بن أبي بن سلول ، لأن السورة والآية مكية بإجماع ، ولأن عبد الله بن أبي لم يهاجر قط هذه المهاجرة. وبين قوله : (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) وبين : (خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ) ، جمل محذوفة تبين أكثرها في قوله في سورة المؤمنون : (ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ) (١) ، وإنما اعتقب قوله : (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) الوصف الذي آل إليه من التمييز والإدراك الذي يتأتى معه الخصام ، أي فإذا هو بعد ما كان نطفة ، رجل مميز منطيق قادر على الخصام ، مبين معرب عما في نفسه.
(وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ) : أي نشأته من النطفة ، فذهل عنها وترك ذكرها على طريق اللدد والمكابرة والاستبعاد لما لا يستبعد. وقرأ زيد بن علي : ونسي خالقه ، اسم فاعل ؛ والجمهور : خلقه ، أي نشأته. وسمى قوله : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) لما دل عليه من قصة عجيبة شبيهة بالمثل ، وهي إنكار قدرة الله على إحياء الموتى ، كما هم عاجزون عن ذلك. وقال الزمخشري : والرميم اسم لما بلي من العظام غير صفة ، كالرمة والرفاة ، فلا يقال : لم لم يؤنث؟ وقد وقع خبرا لمؤنث ، ولا هو فعيل أو مفعول. انتهى. واستدل بقوله : (قُلْ يُحْيِيهَا) على أن الحياة تحلها ، وهذا الاستدلال ظاهر. ومن قال : إن الحياة لا تحلها ، قال : المراد بإحياء العظام : ردها إلى ما كانت عليه غضة رطبة في بدن حسن حساس. (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) : يعلم كيفيات ما يخلق ، لا يتعاظمه شيء من المنشآت والمعدات جنسا ونوعا ، دقة وجلالة.
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) : ذكر ما هو أغرب من خلق الإنسان من النطفة ، وهو إبراز الشيء من ضده ، وذلك أبدع شيء ، وهو اقتداح النار من الشيء الأخضر. ألا ترى أن الماء يطفىء النار؟ ومع ذلك خرجت مما هو مشتمل على الماء.
__________________
(١) سورة المؤمنون : ٢٣ / ١٣.