يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ، قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ، إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ ، فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
الضمير في (لَهُمُ) لقريش ، و (ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) ، قال قتادة ومقاتل : عذاب الأمم قبلكم ، (وَما خَلْفَكُمْ) : عذاب الآخرة. وقال مجاهد : عكسه. وقال الحسن : خوفوا بما مضى من ذنوبهم وما يأتي منها. وقال مجاهد أيضا ، كقول الحسن : (ما تَقَدَّمَ مِنْ) ذنوبكم وما تأخر ، (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). وجواب إذا محذوف يدل عليه ما بعده ، أي أعرضوا. (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ) : أي دأبهم الإعراض عند كل آية تأتيهم. (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا) : لما أسلم حواشي الكفار من أقربائهم ومواليهم من المستضعفين ، قطعوا عنهم ما كانوا يواسونهم به ، وكان ذلك بمكة أولا قبل نزول آيات القتال ، فندبهم المؤمنون إلى صلة قراباتهم فقالوا : (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ). وقيل : سحق قريش بسبب أذية المساكين من مؤمن وغيره ، فندبهم النبي صلىاللهعليهوسلم إلى النفقة عليهم ، فقالوا هذا القول. وقيل : قال فقراء المؤمنين : أعطونا ما زعمتم من أموالكم ، إنها لله ، فحرموهم وقالوا ذلك على سبيل الاستهزاء. وقال ابن عباس : كان بمكة زنادقة ، إذا أمروا بالصدقة قالوا : لا والله ، أيفقره الله ونطمعه نحن؟ أو كانوا يسمعون المؤمنين يعلقون الأفعال بمشيئة الله : لو شاء الله لأغنى فلانا ، ولو شاء لأعزه ، ولو شاء لكان كذا ، فأخرجوا هذا الجواب مخرج الاستهزاء بالمؤمنين وبما كانوا يقولون. وقال القشيري : نزلت في قوم من الزنادقة لا يؤمنون بالصانع ، استهزاء بالمسلمين بهذا القول.
وقال الحسن : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) ، أي اليهود ، أمروا بإطعام الفقراء. وجواب لو نشاء قوله : أطعمهم ، وورود الموجب بغير لام فصيح ، ومنه : (أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ) (١) ، (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) (٢) ؛ والأكثر مجيئه باللام ، والتصريخ بالموضعين من الكفر والإيمان دليل على أن المقول لهم هم الكافرون ، والقائل لهم هم المؤمنون ، وأن كل وصف حامل صاحبه على ما صدر منه ، إذ كل إناء بالذي فيه يرشح. وأمروا بالإنفاق (مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) ، وهو عام في الإطعام وغيره ، فأجابوا بغاية المخالفة ، لأن نفي إطعامهم يقتضي نفي الإنفاق
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٠٠.
(٢) سورة الواقعة : ٥٦ / ٧٠.