وهو الجواب ، ويكون من كلام الله تعالى استبعادا لإنكارهم ما أنذروا به من البعث ، والوقف قبله على هذا التفسير حسن. فإن قلت : فما ناصب الظرف إذا كان الرجع بمعنى المرجوع؟ قلت : ما دل عليه المنذر من المنذر به ، وهو البعث. انتهى. وكون ذلك رجع بعيد بمعنى مرجوع ، وأنه من كلام الله تعالى ، لا من كلامهم ، على ما شرحه مفهوم عجيب ينبو عن إدراكه فهم العرب.
(قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) : أي من لحومهم وعظامهم وآثارهم ، قاله ابن عباس ومجاهد والجمهور ، وهذا فيه رد لاستبعادهم الرجع ، لأن من كان عالما بذلك ، كان قادرا على رجعهم. وقال السدي : أي ما يحصل في بطن الأرض من موتاهم ، وهذا يتضمن الوعيد. (وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) : أي حافظ لما فيه جامع ، لا يفوت منه شيء ، أو محفوظ من البلى والتغير. وقيل : هو عبارة عن العلم والإحصاء. وفي الخبر الثابت أن الأرض تأكل ابن آدم إلا عجب الذنب ، وهو عظم كالخردلة منه يركب ابن آدم.
(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) : وقدروا قبل هذا الإضراب جملة يكون مضروبا عنها ، أي ما أجادوا النظر ، بل كذبوا. وقيل : لم يكذبوا المنذر ، بل كذبوا ، والغالب أن الإضراب يكون بعد جملة منفية. وقال الزمخشري : بل كذبوا : إضراب أتبع الإضراب الأول للدلالة على أنهم جاءوا بما هو أفظع من تعجبهم ، وهو التكذيب بالحق الذي هو النبوة الثابتة بالمعجزات. انتهى. وكان هذا الإضراب الثاني بدلا من الأول ، وكلاهما بعد ذلك الجواب الذي قدرناه جوابا للقسم ، فلا يكون قبل لثانية ما قدروه من قولهم : ما أجادوا النظر ، (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِ) ، والحق : القرآن ، أو البعث ، أو الرسول صلىاللهعليهوسلم ، أو الإسلام ، أقوال. وقرأ الجمهور : (لَمَّا جاءَهُمْ) : أي لم يفكروا فيه ، بل بأول ما جاءهم كذبوا ؛ والجحدري : لما جاءهم ، بكسر اللام وتخفيف الميم ، وما مصدرية ، واللام لام الجر ، كهي في قولهم كتبته لخمس خلون أي عند مجيئهم إياه. (فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) ، قال الضحاك ، وابن زيد : مختلط : مرة ساحر ، ومرة شاعر ، ومرة كاهن. قال قتادة : مختلف. وقال الحسن : ملتبس. وقال أبو هريرة : فاسد. ومرجت أمانات الناس : فسدت ، ومرج الدين : اختلط. قال أبو واقد :
ومرج الدين فأعددت له |
|
مسرف الحارك محبول الكند |
وقال ابن عباس : المريج : الأمر المنكر ، وعنه أيضا مختلط ، وقال الشاعر :