ولما نزلت هذه الآية علم المسلمون أنهم يدخلونها فيما يستأنف ، واطمأنت قلوبهم ودخلوها معه عليه الصلاة والسلام في ذي القعدة سنة سبع وذلك ثلاثة أيام هو وأصحابه ، وصدقت رؤياه صلىاللهعليهوسلم.
(فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا) : أي ما قدره من ظهور الإسلام في تلك المدة ، ودخول الناس فيه ، وما كان أيضا بمكة من المؤمنين الذين دفع الله بهم ، قاله ابن عطية. وقال الزمخشري : فعلم ما لم تعلموا من الحكمة والصواب في تأخير فتح مكة إلى العام القابل. انتهى. ولم يكن فتح مكة في العام القابل ، إنما كان بعد ذلك بأكثر من عام ، لأن الفتح إنما كان سنة ثمان من الهجرة. (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ) : أي من قبل ذلك ، أي من زمان دون ذلك الزمان الذي وعدوا فيه بالدخول. فتحا قريبا ، قال كثير من الصحابة : هذا الفتح القريب هو بيعة الرضوان. وقال مجاهد وابن إسحاق : هو فتح الحديبية. وقال ابن زيد : خيبر ، وضعف قول من قال إنه فتح مكة ، لأن فتح مكة لم يكن دون دخول الرسول صلىاللهعليهوسلم وأصحابه مكة ، بل كان بعد ذلك.
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) : فيه تأكيد لصدق رؤياه صلىاللهعليهوسلم ، وتبشير بفتح مكة لقوله تعالى : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) ، وتقدم الكلام على معظم هذه الآية. (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) على أن ما وعده كائن. وعن الحسن : شهيدا على نفسه أنه سيظهر دينك. والظاهر أن قوله : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) مبتدأ وخبر. وقيل : رسول الله صفة. وقال الزمخشري : عطف بيان ، (وَالَّذِينَ) معطوف ، والخبر عنه وعنهم أشداء. وأجاز الزمخشري أن يكون محمد خبر مبتدأ محذوف ، أي هو محمد ، لتقدم قوله : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ). وقرأ ابن عامر في رواية : رسوله الله بالنصب على المدح ، والذين معه هم من شهد الحديبية ، قاله ابن عباس. وقال الجمهور : جميع أصحابه أشداء ، جمع شديد ، كقوله : (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) (١). (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) ، كقوله : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٢) ، وكقوله : (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) (٣) ، وقوله : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٤). وقرأ الحسن : أشداء رحماء بنصبهما. قيل : على المدح ، وقيل : على الحال ، والعامل فيهما العامل في معه ، ويكون الخبر عن المبتدأ المتقدم : تراهم. وقرأ يحيى بن يعمر : أشدا ، بالقصر ، وهي شاذة ، لأن قصر الممدود إنما يكون في الشعر ، نحو قوله :
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٥٤.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ٥٤.
(٣) سورة التوبة : ٩ / ٧٣.
(٤) سورة التوبة : ٩ / ١٢٨.