الخلص الذين سافروا معه. والآية دالة على رضا الله تعالى عنهم ، ولذا سميت : بيعة الرضوان ؛ وكانوا فيما روي ألفا وخمسمائة وعشرين. وقال ابن أبي أوفى : وثلاثمائة.
وأصل هذه البيعة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين نزل الحديبية ، بعث جواس بن أمية الخزاعي رسولا إلى أهل مكة ، وحمله على جمل له يقال له : الثعلب ، يعلمهم أنه جاء معتمرا ، لا يريد قتالا. فلما أتاهم وكلمهم ، عقروا جمله وأرادوا قتله ، فمنعته الأحابيش ، وبلغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأراد بعث عمر. فقال : قد علمت فظاظتي ، وهم يبغضوني ، وليس هناك من بني عدي من يحميني ، ولكن أدلك على رجل هو أعز مني وأحب إليهم ، عثمان بن عفان. فبعثه ، فأخبرهم أنه لم يأت لحرب ، وإنما جاء زائرا لهذا البيت ، معظما لحرمته. وكان أبان بن سعيد بن العاصي حين لقيه ، نزل عن دابته وحمله عليها وأجاره ، فقالت له قريش : إن شئت فطف بالبيت ، وأما دخولكم علينا فلا سبيل إليه. فقال : ما كنت لأطوف به حتى يطوف به رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وكانت الحديبية من مكة على عشرة أميال ، فصرخ صارخ من العسكر : قتل عثمان ، فحمي رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنون وقالو : لا نبرح إن كان هذا حتى نلقى القوم. فنادى منادي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : البيعة البيعة ، فنزل روح القدس ، فبايعوا كلهم إلا الجد بن قيس المنافق. وقال الشعبي : أول من بايع أبو سنان بن وهب الأسدي ، والعامل في إذ رضي. والرضا على هذا بمعنى إظهار النعم عليهم ، فهو صفة فعل ، لا صفة ذات لتقييده بالزمان وتحت ، يحتمل أن يكون معمولا ليبايعونك ، أو حالا من المفعول ، لأنه صلىاللهعليهوسلم كان تحتها جالسا في أصلها. قال عبد الله بن المغفل : وكنت قائما على رأسه ، وبيدي غصن من الشجرة أذب عنه ، فرفعت الغصن عن ظهره. بايعوه على الموت دونه ، وعلى أن لا يفروا ، فقال لهم : «أنتم اليوم خير أهل الأرض». وكانت الشجرة سمرة. قال بكير بن الأشجع : يوم فتح مكة. قال نافع : كان الناس يأتون تلك الشجرة يصلون عندها ، فبلغ عمر ، فأمر بقطعها. وكانت هذه البيعة سنة ست من الهجرة. وفي الحديث عنه صلىاللهعليهوسلم : «لا يدخل النار من شهد بيعة الرضوان».
(فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ) ، قال قتادة ، وابن جريج : من الرضا بالبيعة أن لا يفروا. وقال الفراء : من الصدق والوفاء. وقال الطبري ، ومنذر بن سعيد : من الإيمان وصحته ، والحب في الدين والحرص عليه. وقيل : من الهم والانصراف عن المشركين ، والأنفة من ذلك ، على نحو ما خاطب به عمر وغيره ؛ وهذا قول حسن يترتب معه نزول السكينة والتعريض